محجوب مدني محجوب يكتب:إن أريد إلا الإصلاح متى تتحول مؤسساتنا الدينية من موقع التأييد إلى موقع التأثير؟!

ربط قيمة القول بالعمل قيمة أصيلة في ديننا الإسلامي بل هي من أساسيات هذا الدين، فما أكثر الآيات في القرآن الكريم التي تشمل على:
(الذين آمنوا وعملوا الصالحات)
فباب ربط القول بالعمل باب لا يحتاج إلى توضيح في تعاليم ديننا الحنيف.
ظل العمل السياسي ومنذ الاستقلال يترنح ما بين حكم عسكري وحكم مدني.
ما بين حكومة انقلاب وحكومة ثورة.
لم يتكرر هذا العمل السياسي مرة أو مرتين او ثلاث بل أصبح ظاهرة واضحة كما الشمس.
فما بال مؤسساتنا الدينية لا تتحول من مرحلة التأييد على ما هو قائم إلى مرحلة التأثير؛ لتصبح ذات ريادة يسير الساسة خلفها لا تسير هي خلفهم.
موقف سياسي ممهور بكل قيم الدين من خلال التجارب التي مر بها العمل السياسي بحيث يكون مؤثرا ومغيرا.
لا موقف من يصدر التأييد على ما هو واقع.
إن ديننا الحنيف يحتوي على مصدر تشريعي عظيم، وحري بنا نحن كمسلمين أن نحتفي بهذا المصدر أيما احتفاء ألا وهو مصدر (القياس) في الفقه الإسلامي.
هذا المصدر طبقه العلماء في جميع شؤون الحياة.
مما يدل على أن ديننا الإسلامي صالح لكل زمان ومكان.
فما من أمر يظهر حديثا إلا وصنفه العلماء وفقا لهذا المصدر الإسلامي الأصيل من حيث كونه حلال أو حرام.
من حيث كونه حق أو باطل.
من حيث كونه يدخل في دائرة الإسلام أو أنه خارجها.
فمشروب (الوسكي) وفقا للقياس حرام مثله مثل الخمر، وتناول أعراض الناس عبر الميديا من الكبائر مثلها مثل حكم القذف في الإسلام.
فالشاهد أن حياتنا بتفاصيلها اليومية لا يتردد العلماء في ربطها بديننا الإسلامي من حيث صوابها وخطئها وفقا لمصادر الفقه الإسلامي.
فالقول بأن تعاليم ديننا شاملة لكل شؤون حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإعلامية لا ينبغي أن يقف عند حد القول بل لا بد أن يترجم إلى عمل، وإلا نكون خالفنا الشرع الذي يربط بين القول والعمل ارتباط السوار بالمعصم.
إن الأزمة السياسية السودانية لم تعد تحتاج إلى ذكر، فهي صارت تمشي على رجلين على كل شارع من شوارع هذا الوطن الشاسع.
فلماذا لا تضع مؤسساتنا الدينية حدا لهذا السخف؟
هل هي عاجزة؟
أم خائفة؟
أم أنها لا تستوعب عظم دورها؟
لماذا تنتظر حتى يسقط نظاما؛ لتفتي في الذي يأتي بعده؟!
لماذا تنتظر حتى توضع وثيقة دستورية ثم تنظر في ثغراتها؟!
لماذا تنتظر حتى يحدث انقلابا ثم تذكر محاسنه؟!.
إن كان ديننا الحنيف علمنا الريادة منذ الإمامة في الصلاة.
علمنا الريادة لعلمائنا في تحلق الخلق حولهم يعلموهم شؤون دينهم، وهم يستمعون إليهم بكل حواسهم.
هذه الريادة الدينية التي تقف على كل منحى من مناحي الحياة.
لماذا لا تكون هذه الريادة في العمل السياسي؟؟!
ام أن هذه الريادة اختفت بسبب ما ارتبط به العمل السياسي عندنا في التاريخ الإسلامي بنهايات مفجعة لأئمة يمثلون روادا لهذا الدين؟!
مثل فاجعة سعيد بن الجبير مع الحجاج بن يوسف او فاجعة الإمام أحمد بن حنبل في حادثة خلق القرآن وغيرها من الأمثلة قديما وحديثا.
هل هذا الجزء المظلم من التاريخ من الساسة هو الذي جعل مؤسساتنا الدينية تقف موقف إصدار التأييد على ما هو موجود وقائم، ولا تتعداه إلى موقف التأثير وقيادة الشعب؟
بغض النظر عن الأسباب التي جعلت المؤسسات الدينية تقف هذا الموقف، فإن خطورة هذا الموقف ليست فقط في كونه سيترك الحبل على الغارب للساسة يلعبون بمصير الأمة كما يشاؤون.
لا يكمن الخطر فقط في كون الساسة سيستغلون منابر ومكانة علماء الأمة لدعم سلطانهم.
بل الأخطر من ذلك من موقف العلماء الذي يتوقف عند التأييد لما هو موجود، ولا يتصدر رسم طريق سياسي ملزم للشعب وللساسة
الأخطر الذي يحدق بالأمة بهذا الموقف هو أنه سوف يمكن للنظرة المعادية للدين.
تلك النظرة التي تجعله مجرد ممارسات فردية لا علاقة لها بتأسيس الدولة.
هنا الخطر وهنا مكمن الشر.
وقطعا خطرا بهذا الحجم يحتاج لعلماء ربانيين بحق يرسمون طريقا واضح المعالم مستبصرا بالتجارب معتمدا على تعاليم الدين.
يحتاج إلى علماء ربانيين يقودون الساسة.
لا علماء يسيرون خلف الموجة أينما سارت ساروا معها.
لا علماء يكتفون بولاية علمية ناقصة مبتورة تقلل من قيمة هذا الدين قبل أن تشتت أمن واستقرار الأمة.