محجوب مدني محجوب يكتب : إن أريد إلا الإصلاح الحرب لم تفعل سوى أنها عقدت الأزمة!

لا عجب ولا غرو في تزايد الصراع بين القوى السياسية بعد كل هذه الكوارث التي حلت بالبلد.
إذ أن كل أزمة مربوطة بعناصرها، فحينما كانت عناصر هذه الحرب لا علاقة لها بالمواطن، وإنما جميع عناصرها تتعلق بالتنافس على السلطة.
وقطعا هذه السلطة وفقا لهؤلاء لا علاقة للمواطن بها، فكونه يقتل ويشرد ويغتصب وتسلب كل ممتلكاته، فهذا لا يقدم ولا يؤخر في الصراع القائم بين القوى السياسية، وذلك لسبب بسيط وهو أن عناصر الصراع حول السلطة لا ناقة للمواطن فيها ولا جمل.
وبالتالي من الطبيعي جدا أن تعمل الحرب على زيادة تعقيد هذه الأزمة.
فبعد أن كانت الأزمة تدار وتناقش وتبحث ويتم التجاذب حولها عبر طرق سلمية أصبحت الآن ذات الأزمة تدار عبر الحرب.
مما يعني أن هذه الحرب لم تزد الأزمة إلا اشتعالا .
يقف أطراف الصراع حول السلطة على مرحلتين:
مرحلة كبرى ومرحلة صغرى، وكلا المرحلتين لا يمثل المواطن سوى أداة من أدواتها.
فما هما مرحلتا الصراع حول السلطة؟
المرحلة الأولى:
الصراع بين الأطراف الثلاث حيث كل طرف يريد أن يكون الموقف له وحده.
القوى المدنية من جهة وقيادة الجيش من جهة وأصحاب النظام السابق من جهة ثالثة.
كل طرف من هذه الأطراف الثلاثة يريد أن يطوع الأحداث لصالحه.
الطرف الذي تمثله القوى المدنية يصوب هدفه نحو السلم، فهذا الميدان – حسب رأيه – سوف يفتح له باب السلطة على مصراعيه.
فمن جهة الداخل – حسب رأيه – فلا وجود للجيش في منابر السلم والسلام سوى بدعمها، والمحافظة عليها.
ويرى من جهة أصحاب النظام السابق بأنهم لا وجود لهم إزاء هذه الدعوات السلمية؛ لأنها دعوات مرتبطة تماما بالثورة تلك الثورة التي أقلعت نظامهم.
وهذه الدعوة السلمية التي ظلت تدافع عنها القوى المدنية حتى في أكثر الأوقات اشتعالا للحرب ذلك بسبب أنها تعتقد أنها المدخل الوحيد الذي سيفسح لها المجال داخل هذا الميدان.
فضلا عن ذلك فإن هذه القوى لقيت دعما لا حد له من الخارج.
الطرف الثاني لهذا الصراع تمثله قيادة الجيش، فهي تعمل في تجاهين؛ لتحصل على السلطة: تجاه تتسبب فيه بعدم اتفاق القوى المدنية هذا فضلا عن الشبهات القوية التي تدور حول هذه القوى في كونها تمثل الجناح السياسي للدعم السريع.
كما ترى القيادة أن النظام السابق لا يحق له أن يستلم السلطة بحجة مشاركته في الحرب كما وضح ذلك من خطاب الرئيس الذي ألقاه مؤخرا حينما ذكر بألا يعمل أصحاب النظام السابق على استغلال الحرب من أجل الوصول بها إلى السلطة.
أما الاتجاه الثاني الذي يدعم قيادة الجيش بالوصول للسلطة، فهو أنها تركز على البندقية الآن، وتعلي من خطورة التمرد وهو الذي يحتاج دوما لهذه البندقية حتى تقف في وجه هذا التمرد، وحتى لا ينال من هذا الوطن، وبهذين الاتجاهين تعتقد جازمة هذه القيادة بأن السلطة ستؤول إليها.
الطرف الثالث يمثله أصحاب النظام السابق فهؤلاء لا حبل لهم يمسكون به للوصول للسلطة سوى مشاركتهم في الحرب، وفي كونهم كانوا العامل الأساسي في تغيير نتائجها، وفي إنقاذ السودان من ويلاتها، فهذا الموقف يبعد القوى المدنية التي لم تشارك في الحرب بل قامت برفضها كما يعمل هذا الموقف على عدم اعتراض الجيش عليه في كونه لم يستطع أن ينتصر في هذه الحرب بدونه، وبهذا يكون هو الوحيد صاحب السلطة.
ويستمر الصراع بين الأطراف الثلاث، وما المواطن بينهم إلا كرة يتقاذفه كل طرف من الأطراف نحو الطرف الآخر.
فقط مجرد ألعوبة بينهم.
هذه هي المرحلة الأولى من الصراع، والمرحلة الثانية لا تقل خطورة عن الأولى.
وهي المرحلة التي تصبح فيه السلطة في يد طرف واحد من هذه الأطراف الثلاث، فكذلك سيتحول الصراع إلى أشده.
فإن آل إلى القوى المدنية، فهي ليست على قلب رجل واحد.
وإن آلت لأصحاب النظام السابق، فهم كذلك ليسوا على قلب رجل واحد.
وإن آلت إلى الجيش فلن يسلم هو كذلك من نعقيدات سواء في تكوين حكومته أو في معاداة العالم له.
وهكذا يجد المواطن أن الأزمة عادت كما كما كانت بل وأكثر تعقيدا.
كل الفرق بينها وبين فترتها قبل الحرب هو أنها كانت في السابق بلا حرب، واليوم صارت ملفوفة بهذه الحرب.
فليتخيل كل متابع ومراقب لهذه الأزمة أزمة الاستيلاء على السلطة كم هي معقدة ومتأزمة، فبعد أن كانت في السابق بلا حرب ، فها هي تطل برأسها هذه المرة وفي معيتها حرب، وليست أي حرب بل حرب تمخضت عنها ثلاثة أطراف كل طرف ينظر إليها نظرة مختلفة، وكل طرف من هذه الأطراف يريد أن تؤول له السلطة وحده.
فلتفعل هذه الأطراف ما تشاء، فرب العزة لا يفعل إلا بما يشاء.