الراي

الجامعات الخاصة في السودان: بين جشع الاستثمار وغياب الرقابة : بقلم: د. السر علي سعد محمد

في خضم الحرب الأهلية التي تعصف بالسودان، تظهر قضية أخرى لا تقل خطورة عن تداعيات الصراع المسلح: أزمة التعليم العالي وعدم جاهزية الجامعات الخاصة لمواجهة الطوارئ. ما يحدث اليوم في السودان يكشف عن خلل هيكلي في نظام التعليم العالي، حيث تتحول الجامعات الخاصة من مؤسسات تعليمية تهدف إلى بناء المستقبل إلى ورشة استثمارية تسعى للربح السريع، حتى لو كان ذلك على حساب مستقبل الطلاب وأحلامهم.
الحرب، التي بدأت في أبريل 2023، كشفت عن فوضى عارمة في قطاع التعليم العالي. الجامعات الخاصة، التي يفترض أن تكون رافداً للعلم والمعرفة، وجدت نفسها عاجزة عن مواجهة التحديات الطارئة. بدلاً من تطوير خطط طوارئ تعليمية تضمن استمرارية العملية التعليمية، لجأت هذه الجامعات إلى “الحلول السهلة”: تأجيل الدراسة لأكثر من عامين، ثم فتح مراكز دراسية في مناطق بعيدة عن مناطق الصراع، أو حتى في دول الجوار الأفريقي ومصر ودول الخليج.
لكن هذه الحلول لم تكن مجانية. الطلاب وأولياء أمورهم وجدوا أنفسهم أمام خيارين مرّين: إما دفع رسوم دراسية مضاعفة في أوقات قياسية، أو خسارة سنوات دراسية كاملة. هذا الوضع يضع علامة استفهام كبيرة حول دور وزارة التعليم العالي والجهات الرقابية التي يفترض أن تحمي مصلحة الطلاب وتضمن جودة التعليم.
لنقارن هذا الوضع بما حدث في دول الخليج خلال جائحة كورونا. عندما ضربت الجائحة العالم، كانت الجامعات الخاصة في الخليج مستعدة. تم ضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية التكنولوجية وشراء البرمجيات اللازمة لضمان استمرارية التعليم عن بعد. والأهم من ذلك، أن رسوم الدراسة ظلت ثابتة، وذلك بفضل الرقابة الصارمة من قبل الوزارات المعنية التي حرصت على ألا تكون الأزمة سبباً لاستغلال الطلاب.
في السودان، الوضع مختلف تماماً. الحرب لم تكن فقط اختباراً لقدرة الجامعات على التكيف، بل كشفت أيضاً عن غياب العين الرقابية لوزارة التعليم العالي. الجامعات الخاصة، التي يفترض أن تكون شريكاً في بناء المستقبل، تحولت إلى ورشة استثمارية تسعى للربح السريع، حتى لو كان ذلك على حساب الطلاب.
سعادة وزير التعليم العالي، الحرب ليست مبرراً لغياب الرقابة أو لتحويل الأزمات إلى فرص للاغتناء. الجامعات الخاصة في السودان تحتاج إلى مراجعة جادة لخطط الطوارئ وضمان جاهزيتها لأي أزمات مستقبلية. كما تحتاج إلى رقابة صارمة من قبل الوزارة لضمان ألا تكون مصلحة الطلاب ضحية للجشع الاستثماري.
في النهاية، التعليم ليس سلعة، والجامعات ليست ورشة استثمارية. الحرب قد تكون سبباً لتأجيل الدراسة، ولكنها لا يجب أن تكون سبباً لاستغلال الطلاب وأحلامهم. السودان، الذي يعاني اليوم من ويلات الحرب، يحتاج إلى تعليم قوي ومستقر لبناء مستقبله. وهذا لن يتحقق إلا بوجود رقابة صارمة واستثمار حقيقي في جاهزية الجامعات لمواجهة أي طوارئ.
الوقت الآن لمراجعة السياسات ووضع مصلحة الطلاب فوق أي اعتبارات أخرى. لأن مستقبل السودان يعتمد على تعليم قوي، وليس على أرباح سريعة.

abubakr

محطات ذهبية موقع اخباري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى