المقالات و الاعمدة

أمواج ناعمة : الإعلام التقليدي والجديد بين المصداقية والتطور : د. ياسر محجوب الحسين

لم يعد تأثير الثورة التكنولوجية في مجال الإعلام، أو ما أصطلحت تسميته بالإعلام الجديد على العملية الإعلامية عابراً، أو مقتصراً على جانب دون الآخر؛ وإنما طال ذلك التأثير الشكل، والمضمون. بل إن قدرات الصحفي قد تتأثر سلباً، أو ايجاباً. ومع افتراض أن هناك اتفاقاً على وجود سلبيات، وايجابيات وبغض النظر عن الاعتقاد بأن السلبيات أكثر من الايجابيات، أو العكس؛ فإن هناك من يرى أنه ربما يكون هناك تأثير إيجابي لوسائل التواصل الاجتماعي على الإعلاميين لاسيما من ناحية تعزيز محتواهم الإعلامي الذي ينتجونه. ومع أن هذه الوسائل الجديدة قد فرضت حقيقة وجود (إعلاميين) على نحو غير مهني من جانب عامة المستخدمين – وهذا ما يصب في تعزيز سلبيات هذا النوع من الإعلام – إلا أنه لابد من الوقوف على أي نحو يمكن أن يتأثر انتاج للإعلاميين المهنيين المحترفين معززاً بايجابيات الإعلام الجديد؛ لأن هذا الذي يجب أن يعوّل عليه في تقديم رسالة إعلامية مهنية في اطار المسؤولية الاجتماعية للإعلام، وبالتالي يصار إلى تعضيد إمكانية التقليل من أثر سلبيات الإعلام الجديد الذي غدا يشكل خطورة على السلام الإجتماعي والقيم الإنسانية. والإعلام الجديد مفهوم تعزز مع استمرار ظاهرة تفجر المعلومات بشكل لم يكن متوقعاً، فضلاً عن تطور أساليب الاتصال، ومن ثمّ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي مثل: يوتيوب،- وفيسبوك، وتويتر.
إن مع تزايد انتشار وسائل التواصل الإعلامي رأسياً وأفقياً، بفضل القفزة الرقمية الكبيرة، فقد غدت تمثل ملتقىً للعديد من أفراد المجتمع لاسيما قادة الرأي، ومتخذي القرار والسياسيين الأمر الذي يتيح للجميع تداول المعلومات، والأفكار، وكذلك التعرف على ردود الأفعال أو ما يعرف بالتغذية الراجعة Feedback. بيد أن الإشكالية الماثلة اليوم تكمن في كيفية استثمار ما وفّرته هذه القفزة الرقمية عبر ما يعرف بالإعلام الجديد لصالح إنتاج محتوى إعلامي يعزز دور الإعلام في المجتمع.
لعل مشكلة ما اصطلح على تسميته بوسائل الإعلام التقليدية في ظل القفزة التكنلوجية الكبيرة؛ أنها كثيرًا ما تكون متأخرة عن التكنولوجيا، فتلجأ حينها إلى استعارة طرق للنشر سبقتها إليها منصات أخرى غير صحفية، وحتى أشخاص يعملون في مجالات لا علاقة لهم بمهنة الإعلام. وتبين أن هذا التطوّر الحاصل في النشر على مواقع وسائل التواصل الإجتماعي يحتم على المؤسسات الإعلامية التقليدية أن تحوّل – على سبيل المثال – وظيفة مسؤول مواقع التواصل الإجتماعي من وظيفة فنية إلى وظيفة صحفية يقوم بها صحفيون، وإعلاميون محترفون يتوفرون على تكوين في هذا المجال، فضلاً عن أن النشر على مواقع التواصل الإجتماعي يحتاج كذلك إلى مهارات تحريرية، والتزوّد بأخلاقيات المهنة، وقواعد المؤسسة. وقد يبدو أحياناً، اختفاء الحدود الفاصلة بين الإعلام الجديد، والإعلام التقليدي، لاسيما في حالة المواكبة من جانب الأخير – أفراداً، ومؤسسات – إذ حدثت حالات تبادل منافع بين هذين النمطين الإعلاميين؛ فكثيرٌ من الإعلاميين الممارسين الذين يعملون في الإعلام التقليدي، قد استخدموا أفضل الطرق للجمع بين مميزات هذين النمطين الإعلاميين.
ومن الحقائق التي غدت تفرض نفسها؛ أن هناك أهميةً متزايدةً للمحتوى المنشور على شبكات التواصل الاجتماعي بالنسبة للصحفيين، حيث أنّ وجود الإعلامي أو الصحفي – سواء بصفته الشخصية، أو ممثلاً لمؤسسته – على منصات التواصل الإجتماعي يجعله يصل لجمهور أكبر، فلا يصبح محصورًا في منطقة معينة، بل قد يتيح له هذا التفاعل الدائم، ويساعده على بناء مصداقية بين الجمهور، إضافة إلى القدرة على نشر محتواه في الوقت الفعلي. إن ما يصنع فرقًا حقيقيًا في وجود الإعلامي على منصات التواصل الإجتماعي هو: أن يقدم محتوىً مختلفاً، يساعد في أن يصبح المحتوى الإعلامي مميزاً، وغير مبتذل، وهذا يعني أنه يكون – في هذه الحالة – شخصاً فاعلاً على هذه المنصات، وليس مجرد مستخدم عادي. لقد أصبحت وسائل التواصل الإجتماعي قوة منتشرة في مختلف المجالات، وعلى رأسها السياسة، مما أدى إلى تغییر دیناميكيات التواصل بین القادة الساسیین، والإعلاميين، والجمهور.
إن معدلات انتشار الشائعات تتناسب طردياً مع التقدم في تكنولوجيا الاتصال، وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، حيث يلجأ البعض للتخفي، أو باستخدام أسماء مستعارة، أو مرموزة، لنشر أخبار كاذبة تجد رواجاّ لدى الناس لا سيما الشائعات المُضرة، بعد أن أصبحت أداة قوية من أدوات حروب الجيل الرابع. إن هذه السلبيات للإعلام الجدید قادت إلى التساؤل حول مدى مشروعية تسمیته بـ»الإعلام» انطلاقاً مما عرف به الإعلام التقليدي. ولا شك أن الضرر الأبلغ هو تزييف الأخبار، ونشرها، ونسبتها – زورًا – لوسائل إعلامية محترفة، وذات سمعة، ومصداقية. ومن المفارقة أن من سمات وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها مجتمعات افتراضية، أنّها تنتهي بمستخدميها إلى عزلة، وانفراد، على غير ما تعد به من انفتاح علـى العـالم، وتواصل مع الآخرين. فمن المدهش أن المجتمعات الافتراضية، وقد نشأت لأغراض شتّى منها تخلـيص البشـر مـن عزلتهم، تنتهي بهم إلى عزلة جديدة عن عالمهم الواقعي.

abubakr

محطات ذهبية موقع اخباري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى