الراي

محجوب مدني محجوب يكتب: إن أريد إلا الإصلاح. جيشنا جيش السودان بين استغلاله واستقلاله

استغلال الجيش له ميزتان: الأولى: يمكن عبره أن يتم التخلص من كل الأعداء المنافسين للسلطة.
الثانية: يمكن أن يستخدم كغطاء للاستيلاء به على السلطة.
وهذه الميزة لم تكن حديثة عهد بانقلاب دون انقلاب بل كانت حضورا في كل الانقلابات العسكرية منذ الانقلاب الأول الذي كان بقيادة الفريق إبراهيم عبود، وقطعا ليس انتهاء بانقلاب الفريق البرهان عام ٢٠٢١.
والسبب الذي جعل هذه الميزة فاعلة هو النظام الذي يسير عليه الجيش.
فالجيش يعمل على التعليمات، فمجرد أن تكون رتب الصف الأول في قبضة من يستلم السلطة، فسوف يجد مباشرة انحياز مؤسسة الجيش له بالكامل.
لكن ليس هذا هو مربط الفرس.
فليتحكم أي كيان سياسي على الجيش؛ ليقضي به على أعدائه، ومن ثم ليستلم به السلطة، فليفعل ذلك لكن للأسف سوف يجد أعظم معضلة أمامه.
معضلة تنسف بكل كيانه.
سوف يجد عبر هذه الخطة أنه لن يستطيع أن يحقق أي برنامج سياسي ينوي القيام به،
فهو حينما يستولى على السلطة ووفقا لقوانين الجيش نفسه، ووفقا لقانون من يمسك بتلابيب السلطة،. ووفقا للواقع،. فقد وضح تماما أن من يتكئ على الجيش لن يكون حصاده سوى ضرب مشروعه السياسي في مقتل.
إذ أن كل المشاريع السياسية التي انتهجت استغلال الجيش بالوصول به إلى  السلطة وقعت في هذا الفخ.
ليس فقط بسبب أن الجيش سينفرد بالسلطة بل الأخطر من ذلك هو أن كوادر هذا الكيان السياسي الذي استغل الجيش للوصول به للسلطة سيتقمص الأسلوب الذي انتهجه كيانه في الحصول به على السلطة.
فإن كان كيانه لعب دور الخبيث مع أعدائه حينما تغلب عليهم عبر الجيش، فكذلك سيكون هذا الخبث  ديدن كوادره بحيث يكون هو سلاحهم الذي يتغلبون به على أعدائهم.
فهذا الكادر الذي ينتسب للانقلابيين لم يتعلم، ولم يشاهد التغلب على أعدائه عبر مواجهة حقيقية أو عبر طرح مبادئ أساسية.
وبالتالي سيظل يواجه أعداءه في كل مرة عبر غطاء بمثل ما استلم كيانه السلطة عبر غطاء.
وكذلك إن كان كيان هذه الكوادر استغل الجيش في كونه صعد به للسلطة، فسوف يكون كذلك هذا الأسلوب ديدن كوادره في تفننهم في استغلال المؤسسات سواء العسكرية أو غيرها في الوصول بها إلى غاياتهم.
لن يكون سمة كادره العمل على استقلال واحترام مؤسسات الدوله؛ لأنه شاهد عمليا استغلال واحتقار واستغفال كيانه لها. ستكون كوادر الكيان في أي معترك من المعارك مبنية على ذات  مبادى كيانه ألا وهي الاستغلال والاحتقار والاستغفال.
وهكذا فبدلا من أن يجد الكيان أنه يؤسس لمؤسسات دولة سوف يجد وفقا للأسلوب الذي استلم به السلطة أنه يؤسس لشخصيات تهدم وتحطم في هذه المؤسسات.
كل هذا الانهيار والدونية لهذا الكادر  بسبب الخطة الرئيسية التي استلم بها كيانه السلطة.
والعكس صحيح.
فإن استلم الكيان السلطة عبر خطة تحترم سيادة ودور  المؤسسة العسكرية، وتمنحها كامل استقلاليتها بحيث يجعلها تتفرغ للوظيفة التي وضعت من أجلها، فحينئذ سوف ينهض ويرتقي كادر هذا الكيان عبر هذه المبادئ.
مبادئ استقلال واحترام الجيش.
مبادئ التغلب على المنافس بأسس تقوم على طرح المبادئ لا على استغلال الجيش.
سيجد هذا الكيان نفسه وفقا لهذا الأسلوب الرائد الذي استلم به السلطة أنه يبني كوادره بناء سليما.
سيجد أنه يخاطب كوادره خطاب بناء وتوعية لا خطاب هدم وخداع واستغلال.
إن الكارثة في استلام السلطة عبر الجيش صحيح أنها قد تقضي على العدو والمنافس للسلطة في حينها إلا انها ستعمل هذه الكارثة على نخر وأكل كادر  الانقلابيين من الداخل.
ستعمل على أن يتحول هذا الصراع الخارجي الذي عمل على استغلال المؤسسات إلى صراع داخلي بين منتسبي هذا الكادر، ومن ثم تفشي ذات الأسلوب ألا وهو  استغلال بعضهم البعض.
يسيطر على كادر الانقلابيين أسلوب الاستغلال؛ لأنه لم يعرف سواه.
لأنه عرف وعبر قيادته كم هو فعال هذا الأسلوب.
ينظر لهذا الأسلوب المخادع الاستغلالي بعين الاحترام والتقدير؛ لأنه هو  الأسلوب الذي قضى به على عدوه، وهو الأسلوب الذي أوصله للسلطة.
وبالمقابل وبذات القدر سوف يقلل أي مبدأ يحترم المؤسسات ويعترف بمهامها، فهي في نظره إن كانت هذه المبادئ نافعة؛ لكانت جديرة بأن توصله للسلطة، وبما أنها لم تفعل، فهي مبادئ لا قيمة لها، ولن تكون مصدر اهتمامه وتقديره.
فالشاهد هو أن السياسة التي يستولى بها الكيان على السلطة هي التي ستكون ديدن كوادره.
سوف تكون ديدن كوادره سواء مع أعدائه أو مع بعضهم البعض.
فلينظر كل كيان سياسي للكيفية التي وصل بها للسلطة، فهذه الكيفية بالضبط هي التي ستصنع كوادره.

   
 

abubakr

محطات ذهبية موقع اخباري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى