محجوب مدني محجوب يكتب: إن أريد إلا الإصلاح! فلنجتمع على كلمة سواء!
![](https://goldenstations.net/wp-content/uploads/IMG-20250124-WA0074-640x470.jpg)
هذه العبارة العظيمة التي جاد لنا بها القرآن الكريم في قوله تعالى( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقل اشهدوا بأنكم مسلمون ) سورة آل عمران آية رقم (٦٤)
هذه الآية العظيمة المتأمل فيها، فسوف يستنتج منها دستور الأمة.
فقد حددت الآية الكريمة الأسس التي تبنى عليها المجتمعات أو الجماعات أو الدولة بكل فئاتها ومؤسساتها ومعتقداتها.
ويمكن استخلاص ما ورد في الآية الكريمة خلال النقاط التالية:
* كلمة قل تعني الأمر، وبالتالي فما يأتي بعدها فهو حق مطلق لا يقبل الجدال أو الشك.
مما يعني أن الاتفاق يكون حول ما هو حق.
* أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، فهما أصحاب ديانات مختلفة عن ديانة الإسلام، وبالرغم من ذلك لم يكن الأمر بإبعادهما.
لم يكن الأمر برفضهما.
بل تمت دعوتهما للإسلام، وبالتالي ثبتت هذه الجزئية من الآية الكريمة حقيقة في منتهى الأهمية وهي أن الدعوة لا تقتصر على المتفقين في المعتقد بل الدعوة شاملة حتى مع المختلفين في المعتقد
فها هي الآية الكريمة ذكرت بأن الخطاب موجه لجماعات مختلفة تماما إلا أن الفعل الذي أتى بعد هذه الجماعات هو تعالوا لم يكن الفعل ابتعدوا لم يكن الفعل اخسئوا، وإنما كان الفعل تعالوا مما يعني أن الدعوة ليست قاصرة على المتفقين فقط، وإنما الدعوة للكل المتفقين والمختلفين.
* ذكرت الآية (تعالوا إلى كلمة) بمعنى أن الاجتماع يكون على كلمة لا يكون على قهر لا يكون على خوف لا يكون على قوة جبارة تقف على كل من يخالف بل هي كلمة.
* وليست مجرد كلمة فهي أعظم كلمة في الوجود لا يوجد أعظم منها، وكل المعاني وكل الحقوق وكل القوانين تأتي بعد هذه الكلمة، فإن كان الاجتماع عليها يتجسد في معناها يتجسد في عبارة، فقطعا وبلا أدنى شك، فكل حق غيرها ينبغي كذلك أن يتجسد في كلمة في عبارة.
كل معنى وبلا استثناء سواء حقوق مواطنة أو حقوق أفراد أو حقوق جماعات لا وجود لأي بطش أو قهر أو اعتداء وإنما اجتماع على كلمة.
* تذكر الآية بعد ذلك نوع الكلمة فهي (كلمة سواء) أي كلمة عدل، فالاجتماع لا يكون على ظلم لا يكون على باطل.
* أقرت الآية الكريمة الاختلافات في قوله تعالى (بيننا وبينكم) بمعنى أن الدعوة لهذه الكلمة لا تتجاهل اعتقاد المسلمين (بيننا) كما لا تتجاهل اعتقاد أهل الكتاب (وبينكم)، وبالنالي فهذه الكلمة تصلح للكل تصلح للمسلمين وتصلح لأهل الكتاب، فالفرق بين المسلمين وأهل الكتاب هو أن المسلمين يقرون بأهل الكتاب بيد أن أهل الكتاب هم من يرفضون عقيدة المسلمين.
فهذه الكلمة هي التي تجعلهم كلهم مسلمين.
* تحديد هذه الكلمة وتعريفها، ولم تترك هكذا بدون تعريف وهي( ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا…) لم تكن كلمة غامضة لم نكن كلمة باطلة فالاجتماع لا يكون على مبهم، ولا يكون على باطل، ولا يكون لمجرد الاجتماع بل لا بد من تحديد سبب هذا الاجتماع حتى يتم الدفاع عنه.
* إن هذا الاجتماع ليس من أجل الاجتماع ليس من أجل الوحدة بل هو مشروط بهذه الكلمة، وإلا فلا اجتماع، ولترسيخ التمسك بهذه الكلمة ذكرت الآية الكريمة (فإن تولوا) يعني إن رفضوا واستكانوا لعقيدتهم الباطلة، فلا اجتماع.
حينها تمسكوا بكلمتكم وظلوا مسلمين فالاجتماع ليس هو الغاية القصوى، وإنما الكلمة هي الغاية القصوى، فمن رفضها رفض الاجتماع، ورفض الاتفاق.
قواعد وأسس ربطتها الآية الكريمة ببعضها البعض مع أعظم قيمة في الوجود ألا وهي قيمة التوحيد.
لم تترك للجدال.
لم تترك للجهل.
لم تترك للعنف.
لم تترك للإقصاء.
لم تترك للاحتكار.
لم تترك للانتقائية.
لم تترك لاجتماع ووحدة بدونها.
فإن كانت هذه القيم وضعت مع أعظم معنى، فهي مع غيرها أولى.
فالاجتماع هو المعنى المنشود لا الافتراق.
الاختلاف لا ينفي الدعوة للاجتماع.
إن الاجتماع يكون وفقا لرؤى وقيم واضحة ومحددة.
ليس وفقا لمسميات أو مجسمات.
الاجتماع لا يكون على باطل.
هل الكبت حق؟
هل الحرية باطل؟
إن الاجتماع تابع للحق وليس العكس.
بمعنى إن غاب الحق فلا اجتماع.
إن غاب الحق انتفى وجود الاجتماع.
بالتمسك بهذه القيم العظيمة يمكن أن نبني مجتمعا متماسكا بعيدا عن المشاحنات والترضيات والتكتلات والكيديات، وقطعا سينعكس على كل دستور وعلى كل قانون.
فمن أراد أن يفرض رأيه بالقوة، فرأيه ليس بأعظم من كلمة التوحيد.
ومن أراد أن يكتفي بنفسه، فهو ليس بأعظم من كلمة التوحيد التي عرضت على الجميع.
ومن أراد أن يجتمع لمجرد الاجتماع؛ فلا اجتماع إلا بحق.
ومن أراد ان يكتفي بنفسه، فلا اكتفاء إلا من أجل مؤازرة للحق.
فالشاهد من الآية الكريمة هو أن القبول والرفض والاجتماع وعدمه وكل معنى من المعاني الحقة يدور حول كلمة.
فلنجتمع على كلمة.
ولنفترق من أجل كلمة.