المقالات و الاعمدة

أمواج ناعمة : د. ياسر محجوب الحسين زعامة حزب الأمة: عبد الرحمن الصادق أم مبارك الفاضل ؟

‎‎عندما غاب زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي غياباً مفاجئاً قبل 4 سنوات في 26 نوفمبر 2020، بدا الطريق لزعامة حزب الأمة، أكبر الأحزاب السودانية – على الأقل بمقياس انتخابات 1985 – ممهداً للسيد مبارك الفاضل المهدي، الذي كان على خلاف كبير جداً مع الصادق المهدي بسبب طموحه السياسي الذي تجاوز الخطوط التي هندسها بعناية الصادق المهدي والقائمة بشكل أساسي على ضمان استمرارية زعامته المطلقة للحزب، وكذلك ضمان خلافة ذريته من بعده. استخدم الصادق المهدي كل دهائه السياسي لإبعاد مبارك، الذي لم يجد بدًّا من الانشقاق عن الحزب وتشكيل حزب الأمة للإصلاح والتجديد، وظل خميرة عكننة للصادق المهدي، وفي كثير من الأحيان أداة تستخدمها القوى السياسية الأخرى ضد الصادق المهدي وحزبه.
ومع ذلك، لم يفلح مبارك قط في الاقتراب من الزعامة المطلقة للصادق المهدي على حزب الأمة الأصل (الرأس والجلد). فبعد وفاة الصادق المهدي، ومع ضعف حظوظ من قد يخلفه من ذريته بالمقارنة مع دهاء، وحنكة، وخبرة مبارك المهدي، بدا الطريق ممهداً له لزعامة الحزب. بيد أن مرور 4 سنوات، ولأسباب متعلقة به شخصياً، وأخرى متعلقة بالظروف السياسية المختلفة التي مرت بها البلاد، لم يفلح مبارك في تحقيق أي تقدم نحو زعامة حزب الأمة؛ فالدهاء السياسي، ولا الخبرة قد أسعفته لاستغلال الفرصة. وبقي متنازعاً بين لعب دور سياسي ضمن الملعب السياسي الكبير في السودان، ومحاولة استغلال فرص للتقرب من السلطة القابضة حالياً، وأحياناً للتقرب من تحالف الحرية والتغيير، دون أن يفلح في كلا الحالتين. فالرجل الذي عُرف بالبراغماتية السافرة لم يحظَ بثقة وارتياح أيٍّ من الطرفين، كما لم تسعفه استثماراته في علاقاته الدولية (الولايات المتحدة) والإقليمية (جوبا وأديس أبابا وبعض دول الخليج) ليجعل منها رافعة سياسية في الداخل السوداني.
لكن اليوم يواجه مبارك متغيراً جديداً ليس في صالحه، يبعده كثيراً عن تحقيق طموحه السياسي في زعامة حزب الأمة، وهو تقاعد عبد الرحمن الصادق المهدي عن موقعه ضابطاً كبيراً في الجيش السوداني، ومن ثم فك أي قيود تمنعه من ممارسة العمل السياسي، بما في ذلك زعامة حزب الأمة خلفاً لوالده.
لكن مبارك الفاضل المهدي ظل شخصية بارزة في الساحة السياسية السودانية، وشغل منصب وزير الداخلية قبل نحو 40 عاما خلت، وهو أحد أفراد عائلة المهدي، ويُعتقد أنه يمكن أن يقود الحزب نحو مستقبل أكثر ديناميكية. وكان قد أسند طموحه برؤية سياسية تعتبر رؤية منطقية وذات جاذبية لشباب حزب الأمة والقطاعات المستنيرة فيه؛ فمبارك سعى لتغيير هيكل الحزب من كيان تقليدي يعتمد على الزعامة التاريخية إلى مؤسسة سياسية حديثة أكثر انفتاحاً على الشباب والقوى المدنية. كما دعا إلى تحقيق الاستقلالية السياسية من خلال تقليل الاعتماد على الإرث الطائفي والديني، مع التركيز على البرامج السياسية التي تخدم السودانيين بمنظور قومي.
هناك عدة عوامل يمكن أن تصب في نجاحه في زعامته للحزب: تاريخه العائلي، وانتماؤه لعائلة المهدي يمنحه مصداقية، وشعبية بين قواعد الحزب التقليدية، في وقت لا يزال هناك تقديس أو احترام لعائلة المهدي من جانب قطاعات واسعة من الحزب، لا سيما في جغرافيا النفوذ التقليدي. ورغم أن مبارك يدعو في رؤيته السياسية إلى تحديث الحزب وانتشاله من كونه كياناً تقليدياً، إلا أنه، وانطلاقاً من براغماتيته، فإنه لا يمانع في استغلال هذا الأمر لدعم زعامته للحزب. ومن العوامل التي تصب في صالح مبارك خبرته السياسية؛ فقد شغل مناصب عديدة داخل الحزب والحكومة، ما جعله شخصية سياسية متمرسة.
غير أنه، في ذات الوقت، هناك عوامل وتحديات تقف ضد مبارك المهدي؛ فالانقسامات المتعددة داخل حزب الأمة قد تجعل مساعيه للقيادة محفوفة بخلافات قد تُضعف موقفه، فهو ليس بذلك الرجل الذي قد يحظى بإجماع كافٍ يمكنه من محاصرة تلك الخلافات. كذلك يواجه مبارك تحدياً في كسب ثقة الشعب السوداني بسبب الجدل الذي أحاط ببعض مواقفه السياسية في الفترات السابقة، مثل دعوته لضرب مصنع التصنيع الحربي وكذلك دعوته الصريحة لإقامة علاقات مع دولة إسرائيل من منطلقات براغماتية.
نخلص إلى أنه، ومع كل ذلك، يبقى أمر تحقيق طموحه السياسي مرهوناً بقدرته على تجاوز التحديات السياسية والاجتماعية المحيطة بالساحة السودانية. فنجاحه مرهون بقدرته على توحيد صفوف حزب الأمة، الذي يعيش أسوأ فترة منذ تأسيسه، وكذلك مدى قدرته على تقديم رؤية سياسية واضحة وقابلة للتنفيذ. ولعل أكثر ما يمكن لمبارك القيام به هو بناء تحالفات قوية مع القوى السياسية الأخرى.
أما أثقل التحديات التي تقف عقبة كأداء أمام طموح مبارك فهي إمكانية أن يتقدم عبد الرحمن الصادق لزعامة الحزب بعد تقاعده من الجيش. وهناك كثير من العوامل التي تقف إلى جانبه؛ فالرجل نجل الصادق المهدي، ويُعتبر شخصية محورية داخل حزب الأمة ومؤهلاً ليكون منافساً قوياً على زعامة الحزب. ويتميز عبد الرحمن بعدة عوامل قد تعزز فرصه مقارنة بمبارك الفاضل، خاصة مع خلفيته العسكرية والسياسية، وارتباطه المباشر بوالده الصادق المهدي، الذي كان قائداً تاريخياً للحزب. فهو الابن المباشر للصادق المهدي، وهذا الأمر يعطيه مكانة رمزية قوية بين أنصار الحزب التقليديين، الذين ينظرون إلى عائلة المهدي كمرجعية تاريخية وسياسية للحزب. كذلك، خبرته العسكرية وتقاعده برتبة رفيعة يعزز صورته كقائد منضبط وذو خلفية مهنية قوية.
هذه الخبرة قد تضيف إلى رصيده السياسي، خاصة في ظل حاجة السودان الحالية لقيادات تجمع بين الحنكة السياسية والمعرفة الأمنية. سياسياً، لعب عبد الرحمن دوراً مهماً، وربما كان والده حريصاً على بقائه ضمن منظومة نظام الإنقاذ حتى أثناء فترات الاختلاف الشديدة ليكتسب الخبرة السياسية ويكون مستعداً لدور مثل زعامة الحزب من بعده. شغل عبد الرحمن منصب مساعد رئيس الجمهورية في عهد البشير، وهو ما أكسبه خبرة مباشرة في السياسة السودانية على مستوى رفيع. وهذا المنصب ساعده في اكتساب قدرة كبيرة على التعامل مع الأطراف المختلفة، ما قد يساعده في قيادة الحزب.
ومع منصبه الحكومي، حرص والده على اضطلاعه بدور قيادي داخل حزب الأمة، إذ حافظ على بقائه في مواقع رسمية رغم الخلافات مع النظام السابق، ربما لإبقاء اسمه حاضراً في المشهد السياسي.
وهناك عامل السن؛ فعبد الرحمن أصغر سناً من مبارك الفاضل، وهذا قد يجعله أكثر قبولاً لدى الشباب في الحزب، خاصة مع حاجة الحزب للتجديد وجذب قواعد شبابية أوسع. كما أن عبد الرحمن قد يحظى مرحلياً بدعم السلطة الحالية، التي يرأسها عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش. ومما يعزز ذلك ما رشح من أنباء عن تعيينه مستشاراً سياسياً للبرهان.
ومن المؤكد أن هناك تحديات أمام عبد الرحمن تصب في صالح مبارك؛ فعبد الرحمن تنقصه الرؤية السياسية الواضحة مقارنة بمبارك الفاضل، إذ لا يُعرف عنه تبنيه رؤية سياسية واضحة أو أجندة إصلاحية محددة. فغياب برنامج سياسي قوي قد يقلل من جاذبيته كزعيم محتمل. ويأتي ذلك مقروناً بقلة الخبرة القيادية داخل حزب الأمة؛ فبينما يتمتع بخبرة عسكرية وسياسية عامة، لكنه لم يتولَّ أدواراً قيادية مباشرة داخل الحزب، مما قد يُضعف موقفه أمام قيادات أقدم وأكثر تأثيراً.
وهناك تحد ربما أقل خطورة وهو المنافسة داخل العائلة نفسها؛ فالحزب يعاني من تنافس داخلي قوي بين أفراد عائلة الصادق المهدي، فقد يجد عبد الرحمن نفسه في مواجهة مباشرة مع إخوته وأخواته الطامحين.
وإن تمكن عبد الرحمن من تجاوز هذه التحديات، فعليه تقديم رؤية إصلاحية قوية تجذب الشباب والشرائح المترددة داخل الحزب، فضلاً عن بناء تحالفات قوية مع قيادات الحزب التاريخية والحديثة.

abubakr

محطات ذهبية موقع اخباري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى