الراي

الإحتفال بثورة (24)..دعوة لإعادة قراءة التاريخ د. محمد بشير عبادي

يحتفل السودانيين وخاصة اليساريين اليوم بثورة اللواء الأبيض بقيادة الملازم أول “على عبداللطيف” التي اندلعت في سنة 1924م،إمتداداََ لثورة المصريين ضد الإحتلال البريطاني في القاهرة وتأثراََ بها والتي قتل فيها السير “لي إستاك”حاكم عام السودان البريطاني والذي كان يزور القاهرة ولقي حتفه هناك.
تمرد طلاب المدرسة الحربية في أمدرمان وذهبوا إلى بيت المناضل على عبداللطيف في الخرطوم وقدموا له التحية العسكرية ومن ثم تحركت فصيلة من العساكر السودانيين بقيادة الملازم “عبدالفضيل ألمظ” وعبرت كبري النيل الأبيض من أمدرمان في إتجاه الخرطوم واشتبكت مع العساكر الانجليز تحت جسر النيل الأزرق وانتهت المعركة بهزيمة الثوار ومقتل الملازم عبدالفضيل ألمظ بعد أن تم هدم جزء من مبنى مستشفى النهر (العيون حالياََ) فوق رؤوسهم واعتقل بقية الضباط وحكم عليهم بالإعدام كان من أبرزهم “ثابت عبدالرحيم” وسجن آخرون منهم الضابط “على البنا” .. أخمدت الثورة المحدودة ورُحّل الملازم أول على عبداللطيف زعيم اللواء الأبيض مخفوراََ إلى مصر حيث بقى في مصحة العباسية للأمراض العقلية(السرايا الصفراء) بعد أن أتهم بالجنون ليلقى ربه في سنة 1948م، حيث ووري الثرى في أرض مصر.
ثورة(24) كانت تنادي بوحدة وادي النيل وليس إستقلال السودان واتخذت الراية البيضاء وعليها خارطة النيل والعلم المصري شعاراََ لها، كما كتب عليها عبارة(إلى الأمام) .
وجدت اللواء الأبيض في بداياتها معارضة قوية من أعيان السودانيين وزعماء الطوائف بإعتبار أن من قاموا بها تعود أصولهم إلى الرقيق المحرر، فعندما سئل على عبداللطيف في محكمة الإحتلال  البريطاني عن جنسه، أجاب بأنه “سوداني” ولفظة سوداني كانت تطلق على من لا قبيلة له أي على الرقيق المحرر أو كما تم تسميتهم بالمنبتين، فحتى ذلك الوقت كان يعرف الرجل بقبيلته لابالهوية السودانية الجامعة، من هنا تلقف اليسار السوداني شعارات الهامش والمركز وتطورت إلى جزء من “منفستو” حركات التمرد من بعد ذلك كما في منفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق وصار على عبداللطيف أيقونة لهم، فعلي عبداللطيف تعود جذوره إلى جنوب السودان وكذلك عبدالفضيل ألمظ ومن المفارقات أنهم كانوا ضباطاََ في الجيش المصري في الفرقة السودانية وهي ذات الفرقة التي عمل بها والديهما،فوالد على عبداللطيف شارك في معارك إحتلال السودان بقيادة اللورد كتشنر باشا(1896-1898) وشهد معركة كرري، ضمن العساكر السودانيين بالجيش المصري وكذلك والد عبد الفضيل ألمظ.
إنشقت جمعية اللواء الأبيض عن جمعية الاتحاد السوداني التي كانت تضم مجموعة من المثقفين أبرزهم الشاعر الفنان خليل فرح وشاعر الدهليز توفيق صالح جبريل والشاعر صالح عبدالقادر وإبراهيم بدري وغيرهم، كما شهدت اللواء الأبيض نفسها إنشقاقات بسبب الهوية، فهناك من كان ينادي بالأفريقانية وآخرين منهم بالعروبة ومن أبرزهم صالح عبد القادر الذي هاجر إلى مصر عقب إخماد الثورة ومنهم “سليمان كشة” الصحفي المشهور إبن التاجر في المهدية وقائد راية أهل أمدرمان سليمان كشة وقد سمي كشة الصحفي على اسم والده الذي استشهد في معركة كرري (2 سبتمبر 1898م) وكان وقتها جنيناََ في بطن أمه وقد تسمى بإسمه.
اللواء الأبيض جمعت أبناء شهداء كرري مع أبناء من حاربوا مع الغزاة في ذات المعركة، فحملت الأضداد بين ثناياها،فالدوافع كانت مختلفة ومتصادمة وكذا المرارات، فكانت النهاية..ولا زلنا نحتفل رغم أسباب النهاية.

abubakr

محطات ذهبية موقع اخباري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى