تصحيح المسار: النهضة ليست مجرد خيار بل نتيجة معاناة طويلة : *د. لؤي عبد المنعم

لطالما سالت نفسي اذا حانت ساعة اعلان النصر و تم تلاوة البيان من قبل رئيس مجلس السيادة الفريق اول عبد الفتاح البرهان، و تناقلته وسائل الاعلام و بدأت الاتصالات تترى من الرؤساء المهنئين و قيادات المجتمع المدني، و تعالت الاصوات للمهاجرين في الخارج و النازحين في الداخل ان هلموا بالعودة الى بيوتكم و احياءكم للمساهمة في اصحاح البيئة و اعادة اعمار ما دمرته الحرب.. تلك اللحظة الموعودة و المنتظرة بشوق مصحوب بخوف من (ماذا بعد؟) هي ما يشغل بالي، فحجم الدمار كبير و الخسائر في الارواح لا تعوض، و الممتلكات المنهوبة والتالفة الملقاة في الازقة و امام المنازل كيف يمكن استعادتها من جديد، بيوت المواطنين التي اضحت مثل الكوش تحوم فيها و تسكنها الدواب، هل سيحتمل البعض رؤيتها بهذه الصورة و خاصة كبار السن.. عندما اتأمل في جرائم المليشيا و حجم الخراب الذي خلفوه و الذكريات المريرة التي طبعت في اذهان المواطنين، و الافكار التي تكونت عن الحواضن الاجتماعية للتمرد و صعوبة تقبلها و التعامل معها، و هم بلا شك محقين في ذلك، فلم نسمع في تاريخ السودان القديم و الحديث عن جرائم خطف و بيع للنساء و الفتيات الصغار بعد اغتصابهم في سوق النخاسة في دول الجوار، و لم نسمع عن حرب استيطان اجنبي و تجريف للسكان بعد الاحتلال الصهيوني للاراضي الفلسطينية.. ينتظر السودانيين واقع جديد مؤلم لا يقل عن نتائج الحرب التي شغل فيها المواطنين بالدفاع عن ارضهم و عرضهم، دون ما يلي انتهاء الحرب.. اولا و قبل كل شيئ نحتاج الى ثورة تشريعية لضمان عدم تجدد اسباب الحرب، و من بعد نتحاور حول تفاصيل توسيع المشاركة في دواليب العمل و الحياة اليومية، و ضمان استدامة التنمية و تحقيق النهضة المرجوة على اسس جديدة بناء على معايير عالمية، بالاستعانة بالخبراء و العلماء و الشباب المستنير الواعي القابض على جمر القضية، و ليس عينة الذين وضعوا المتاريس في الشوارع و عطلوا التنمية و حاصروا السودان لاجل تحقيق مطالب حزبية لفئة في المجتمع، بغض النظر عن حجمها مستعينين بالدعم الخارجي على حساب الاجندة الوطنية، ثم لاذوا بالفرار عندما احتاجهم الوطن للدفاع عنه.. نحتاج الى ان لا نختبر التجار في دينهم كي لا يسقط الكثير منهم في الاختبار مجدد و يعيدون ذات الممارسات الجشعة لتعظيم ارباحهم دون اكتراث لحالة المواطنين و اوضاعهم المعيشية، نتطلع الى دولة لها حكومة تراقب و تسهر و تتدخل عند اللزوم في الاسواق لردع كل من يرهق و يغش و يسرق المواطنين.. بدون اسس و مفاهيم جديدة لحقوق و واجبات المواطنين، و دور الحكومة تجاه المجتمع فسوف لن نفلح في اعادة البناء او نستفيد من ثروات السودان.. سنبدا بعون الله من جديد بعزيمة قوية فقط اذا تمكنا من محاسبة كل من يتجاوز القانون بشكل رادع تلقائيا، و عندما يصبح القضاء ناجز و متخصص و مستقل ماليا و اداريا عن بقية السلطات. نحتاج الى برامج و اعلام موجهة لتهيئة الاجواء نفسيا للاصلاح و تقبل الامر الواقع.. نحتاج الى ان تبذل الحكومة جهدها لتعويض المواطنين و جبر الضرر الذي تعرضوا له من مواردها المتاحة، و ليس اعتمادا على المساعدات الخارجية رغم اهميتها..*
*و اود ان اذكر مجددا ولي الامر بالمطالب العشرة التي طالبت بها بعض القوى السياسية عندما خرجت في يوم 14 ديسمبر 2019، و التي لو استجيبت لها في ذلك الحين لتجنبنا جميعا ويلات الحرب التي هددت بها قوى الحرية و التغيير (قحت)، مستغلة الدعم السريع لفرض اجندة خارجية على الشعب الداعم لجيشه و هي :-*
*1-عقد مصالحة وطنية شاملة من أجل توحيد الجبهة الداخلية لتحقيق النهضة المرجوة بمشاركة الجميع، مما يوجب التراجع عن حل النقابات و الاتحادات و الجمعيات الخيرية و منظمات المجتمع المدني و الأحزاب المحلولة دون وجه حق و إرجاع أصولها المصادرة و فك الحجز عن حساباتها المصرفية.*
*2- حل حكومة المحاصصة الفاشلة و تكوين حكومة كفاءات مستقلة.*
*3-اقامة انتخابات حرة بعد عام واحد مع عدم المساس بالقوانين المستندة على الشريعة الإسلامية خلال الفترة الانتقالية.*
*4-تحييد الخدمة المدنية و الإعلام الحكومي من التنافس السياسي على السلطة.*
*5-تفعيل المؤسسية و الشفافية و سيادة القانون على الجميع.*
*6- تأكيد الحريات الصحفية و حرية التعبير للجميع، دون المساس بالقيم الوطنية، او زعزعة الاستقرار.*
*7-اعادة الاعتبار للسلطة القضائية و عدم التغول على صلاحياتها من اي جهة و رفض تسييس القضاء و النيابة.*
*8 – العمل بشكل جماعي على رفع العقوبات الظالمة المفروضة على السودان.*
*9 – رفض تسليم اي مواطن سوداني ليحاكم خارج بلده.*
*10 – رفض التوقيع على اتفاقية سيداو و أي اتفاقية تمس القيم و الهوية السودانية خلال الفترة الانتقالية و اعادة تطوير المناهج الدراسية التي تم العبث بها بإخراج الآيات القرآنية منها، لتصبح اكثر مواكبة من قبل اهل الاختصاص.*
*و أضيف على ذلك العمل من أجل بقاء كرامة الانسان السوداني مصانة، بالحد من الفقر و تاثير ويلات الحرب على الاسر الضعيفة و ربطها بالانتاج.. لم نطلب الكثير و لن نرضى بالقليل، و لا خيار لنا غير ان نولد امة قوية من جديد.*