الفنية

نحو إعلام هادف تتكامل فيه المؤسسات الرائدة والوسائط القائدة : د. محمد بشير عبادي

لخص الفيلسوف الكندي (آلان دونو) تعريف النظام العالمي الجديد بماديته الصارخة، بأنه “نظام التفاهة”، نظام تتحكم فيه الرأسمالية العالمية بشركاتها ورجال أعمالها  الذين سخروا البشر لخدمتهم وجعلهم كأدوات في ماكينة كبرى لضخ الأموال دون مراعاة لآدمية الإنسان.
إن الإعلام يعد هو الأداة الرئيسة التي اعتمد عليها “نظام التفاهة” للسيطرة على عقول الناس وتوجيهها نحو تحقيق تلك المصالح فكان أن ظهر جيل من الناشطين والمؤثرين وصناع المحتوى برز إلى فضاء الإعلام ككائن منبت لا جذور له في عالم الإعلام المؤسسي ذي المرجعية المهنية القائمة على معايير علمية وقوالب فنية ومواثيق أخلاقية راسخة.
هؤلاء المؤثرون والذين في غالبهم لا يقدمون محتوى ومضامين ذات رسالة هادفة، ساعدتهم الثورة الكبرى التي حدثت في مجال تطبيقات الحاسوب والتي كان لها القدح المعلى في الانتشار الأفقي على مواقع التواصل الاجتماعي ليتم التكسب من إنتشارهم هذا مالياََ من خلال المشاهدات والمتابعات العالية بالإعلان والترويج للمنتجات والخدمات وبالتكسب المباشر من تطبيقات هذه المواقع، إنها بالفعل آلة جبارة لتحصيل الأموال وضخها ولكن دون أي قيم أخلاقية عملت على تجهيل المتعرضين لهذه المواقع وتغييب عقولهم بقلب الحقائق وتدليسها، بما يسمى بعملية التضليل الإعلامي.
هذا الوضع بقتامته والذي فرضه النظام العالم الجديد،جعل الإعلام المؤسسي المسموع والمرئي المقروء في موقف لا يحسد عليه وذلك ما بين التنافس والتكامل مع الإعلام الجديد الذي فرض نفسه بقوة وقد أثبتت العديد من الدراسات أن هناك تكافوء وتماثل بين الإعلام المؤسسي ومواقع التواصل الاجتماعي في جذب المشاهدين وفي الهوية البصرية، بل تفوقت مواقع التواصل الاجتماعي في كثير من الأوقات في جذب المعلنين، بل والمتابعين والذين صاروا بالمليارات لعدد من مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يحتم على الإعلام المؤسسي مراجعات عميقة وإعادة هيكلة شاملة بما يعيد إليه دروه في تثقيف وتعليم المجتمع من خلال المواد الإخبارية ذات المصداقية والموضوعية والبرامج التربوية في قالب فني وتقني جاذب مستفيداََ من مواقع التواصل نفسها في الانتشار الأفقي وليس الحرب عليها، أي تكامل وليس صراعاََ يؤدي لنسف الآخر.
كل هذه التحديات والاشكالات التي يعانيها الإعلام المؤسسي والتوصيات التي خرجت لعلاج هذه الاختلالات ناقشها مؤتمر الجامعة القاسمية الدولي، الذي جاء بعنوان:(صناعة المحتوى، بين الإعلام المؤسسي ووسائل التواصل الإجتماعي، إشكالية التكامل والتنافس والذي انعقد في الفترة من 20-21 نوفمبر 2024م وقد كان لي فيه سهم وجهد المقل بإعداد وتقديم ورقة علمية حول:(صناعة الهوية البصرية بين محطات التلفاز المؤسسية ومواقع التواصل الاجتماعي)، دراسة ميدانية على عدد من مشاهدي القنوات الفضائية وبعض صناع المحتوى ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
ضم هذا المحفل الدولي كوكبة نيرة من خبراء وعلماء الإعلام وجمع كبير من الاعلاميين جاءوا من عدة دول وقدموا عصارة علمهم وخبراتهم من خلال إستعراض الأوراق العلمية أو من خلال الفعاليات المصاحبة للمؤتمر وقد كان للسودان حضوراََ مميزاََ رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، تمثل هذا الحضور  في عدد كبير من العلماء وأساتذة الجامعات والأكاديميين، قدموا أوراقاََ علمية رصينة ومداخلات قيمة نالت إستحسان كافة الحضور بجميع مشاربهم.
شكراََ للجامعة القاسمية على على هذه التظاهرة العلمية الكبرى وشكرا على هذه المبادرة الطيبة لحث العلماء والدعاة والمفكرين لملء الساحة الإعلامية بما ينفع الناس في أمور دينهم ودنياهم وألا يترك هناك فراغاََ يملؤه غيرهم بساقط القول والعمل،فالطبيعة لا تقبل الفراغ.
الشكر أجزله لإدارة الجامعة القاسمية أساتذة وإداريين على التنظيم الرائع للمؤتمر والذي خرج في قمة الفخامة والأناقة مع كرم الضيافة وحسن والوفادة.
وأخص بالشكر سعادة البروفيسور هشام عباس زكريا عميد كلية الإتصال فى الجامعة القاسمية على جهده العلمي والإداري الوافر لإنجاح المؤتمر وعلى وقوفه على كافة تفاصيل إخراج المؤتمر في ثوبه القشيب، مما أنعكس سروراََ على كل الحضور الذين خرجوا وألسنتهم تلهج بالشكر والثناء على أريحيته وتواضعه وحسن تعامله،هو وفريق عمله من أساتذة وإداريين وطلاب، الذين بذلوا جهداََ جباراََ وكان لهم دوراََ فاعلاََ في كافة فقرات المؤتمر والفعاليات المصاحبة، نفع الله بهم جميعاََ البلاد والعباد.

abubakr

محطات ذهبية موقع اخباري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى