*أهمية الأرشيف السمعي البصري في تلفزيون السودان* 1-4

في مقالها المنشور على لينكد إن، أثارت الأستاذة رشا صلاح مدير العلاقات الدولية في تلفزيون السودان القومي مسألة حيوية تتعلق بأهمية الحفاظ على الأرشيف السمعي والبصري والتوثيقي لتاريخ السودان، مشيرة إلى أن الأرشيف لا يُعد مجرد مجموعة من المواد الإعلامية، بل هو مرآة تعكس عظَمة الشعب السوداني وتاريخه العريق. تعكس التسجيلات الصوتية والصور والفيديوهات في الأرشيف سجلًا حقيقيًا للذاكرة الجماعية والمجتمع، وتعد جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية. في هذا السياق، يُعتبر الأرشيف السمعي والبصري أداة حيوية في توثيق وتفسير الأحداث التاريخية، الثقافية، والسياسية التي شكلت مسار تاريخ أي بلد. يتمثل أحد أبرز أدوار الأرشيف في تقديم نظرة شاملة حول الفترات التاريخية المختلفة، مما يتيح فهم التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي مرت بها المجتمعات.
تعزز الأبحاث العلمية والنظريات حول الأرشيف هذا الفهم حيث تلعب سجلات المحفوظات دوراً حاسماً في تشكيل الذاكرة الجماعية داخل المجتمعات، كما أبرزت نظرية الذاكرة الاجتماعية لبرنارد لويس. ووفقاً لبحث أجراه مايكل أ. بيترز وتينا بيسلي، فإن الأرشيفات هي مؤسسات ثقافية أساسية تؤسس إطاراً للذاكرة الاجتماعية والجماعية . ولا يقتصر دور هذه الأرشيفات على حفظ المعلومات وتصنيفها فحسب، بل تساهم أيضًا في بناء سرديات وهويات مشتركة. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد بحث علمي لكريستيان كانديا على أهمية الذاكرة الثقافية، التي يتم الحفاظ عليها من خلال الوصول إلى السجلات، في التأثير على الديناميات الزمنية للذاكرة الجماعية .
فمن خلال إتاحة الوصول إلى الوثائق التاريخية والقطع الأثرية، تعمل السجلات الأرشيفية كمصادر ملموسة تستخدمها المجتمعات لتذكر الماضي وتفسيره، وبالتالي التأثير على هوياتها الحالية ومساراتها المستقبلية.
كما تعزز نظرية “التحليل التاريخي” أهمية الأرشيف في تقديم معلومات دقيقة وموثوقة حول الأحداث التاريخية، مما يسهم في تفسير الأحداث وفهم السياقات المختلفة التي شكلت التاريخ.
وإذ تؤكد نظرية التحليل التاريخي على الدور الحاسم للمحفوظات في تقديم معلومات دقيقة وموثوقة عن الأحداث التاريخية تعمل المحفوظات كمصادر أساسية للبحث، حيث تحفظ التاريخ بدقة وتوفر البيانات الأساسية للتحقيقات العلمية .
ومن خلال الاستفادة من مجموعات الأرشيف المرقمنة الواسعة ذات البيانات الوصفية الغنية والهياكل التحليلية، يمكن للباحثين ضمان الشفافية المنهجية، والتعاون في الوقت الحقيقي، والتطوير المفاهيمي الدقيق، وسد الفجوة بين بحوث التاريخ والإدارة .
وعلاوة على ذلك، فإن تفاعل المكونات المرئية والمكتوبة في السردية التاريخية يسلط الضوء على أهمية موظفي الأرشيف في تشكيل الممارسات الاجتماعية، مع التأكيد على دورهم في شؤون الدولة والحفاظ على التاريخ .
بالإضافة إلى ذلك، تساهم إعادة توظيف صور الأرشيف العامة والخاصة في الأفلام التجميعية في استكشاف الخيال التاريخي وعمل الأرشيفات الصورية والصوتية، مما يثري فهم الممارسات الثقافية المعاصرة .
تأتي أهمية الحفاظ على الأرشيف كأولوية وطنية في ظل الأزمات التي يعاني منها السودان، حيث يصبح حماية الأرشيف أكثر حيوية من أي وقت مضى. يتطلب الحفظ الجيد للأرشيف تنفيذ عمليات متعددة تشمل التوثيق الرقمي والتخزين المناسب والتحديث المستمر للوسائل التقنية المستخدمة في حفظ هذه المواد. فمثلاً، توفر تقنيات الحفظ الرقمي الحديثة مثل الماسحات الضوئية عالية الدقة وأنظمة تخزين البيانات الضخمة حلولًا فعالة لتحويل المواد السمعية والبصرية إلى صيغ رقمية، مما يساهم في الحفاظ عليها من التدهور الطبيعي ويتيح سهولة الوصول إليها. كما أن تحسين مرافق التخزين، بما في ذلك التحكم في درجة الحرارة والرطوبة وتوفير الحماية من الكوارث الطبيعية والحرائق، يعد جزءًا أساسيًا من استراتيجيات الحفظ.
يعتبر الأرشيف أداة مهمة في التعليم والبحث، حيث يتيح للباحثين والطلاب الوصول إلى معلومات دقيقة وموثوقة حول الماضي. من خلال الأرشيف، يمكن للباحثين دراسة وتحليل التغيرات التاريخية والثقافية، مما يسهم في تطوير المعرفة العلمية حول التاريخ. كما تبرز أهمية الأرشيف في التعليم من خلال المشاريع التعليمية مثل “مكتبة الكونغرس” و”المكتبة البريطانية”، التي توفر مواد أرشيفية مفتوحة للباحثين والطلاب، مما يسهل الوصول إلى مصادر تعليمية متنوعة حول التاريخ والمجالات الثقافية.
لضمان حماية الأرشيف السمعي والبصري في السودان، من الضروري زيادة الوعي حول أهميته ودوره في الحفاظ على التاريخ الوطني. يمكن تحقيق ذلك من خلال تنظيم حملات توعوية وورش عمل تركز على أهمية الأرشيف وطرق الحفاظ عليه. تعزيز التعاون مع المؤسسات التعليمية لدمج موضوعات الأرشيف والحفاظ على التراث الثقافي في المناهج الدراسية يمكن أن يكون أيضًا له تأثير كبير في نشر الوعي وتعليم الأجيال القادمة حول أهمية الحفاظ على تراثهم الثقافي. من خلال تنفيذ هذه الاستراتيجيات والاقتراحات العملية، يمكن ضمان حماية الأرشيف السمعي والبصري في السودان، وبالتالي الحفاظ على جزء مهم من التراث الثقافي والتاريخي للأمة.