التَكيِّة في حرب السودان..الخير فيها باقٍ د. محمد بشير عبادي
![](https://goldenstations.net/wp-content/uploads/محمد-بشير-عبادي-٢-780x470.jpg)
تَكيَّة وجمعها “تكايا، هي مكان يُعَدّ لإيواء الفقراء وعابري السبيل، يقدم لهم الطعام ويهيأ لهم فيها مكاناََ للنوم وأصلها “التّكْأة”، أي ما يتكئ عليه الفقير، وفقاََ لقاموس اللهجة العامية في السودان لمؤلفه عون الشريف قاسم.
التكيّة من العمائر الدينية المهمة وأول تكيّة أشتهرت في تاريخ الإسلام، تكيّة (الصُفّة) وهي حجرة أو عريشة ملحقة بمسجد المدينة المنورة، كانت تأوي فقراء المهاجرين، يسكنونها، يتعلمون القرآن الكريم ويصومون ويخرجون في كل غزوة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدعوهم بالليل إذا تعشى فيفرقهم على أصحابه وتتعشى طائفة منهم معه صلى الله عليه وسلم وقيل أن عددهم كان (400 صحابياََ) ، يقيمون في هذه (الصُفّة) كدار لهم، منهم “أبو هريرة”، كما في (صحيح ابن حبان) و”سالم بن عبيد”، كما في (كنز العمال) و”العرباض بن سارية”،كما في (المصنف لإبن أبي شيبة) و”واثلة بن الأسقع”، كما عند (الطبراني) و”قيس الغفاري” و”طلحة بن عمرو”، كما في (المسند) وغيرهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
إنتشرت التكايا في العصر العثماني، سواء في الأناضول أو في الولايات التابعة للدولة العثمانية وأنشئت خاصة لإقامة المنقطعين للعبادة من المتصوفة ومساعدة المسافرين وتعتبر التكية من المنشآت الدينية التي حلَّت محل “الخنقاوات” المملوكية في العصر العثماني وتوجد كثير من التكايا القديمة والأسبلة الأثرية في مصر القديمة بشارع المعز لدين الله الفاطمي ومنطقة باب الوزير،كما توجد العديد من التكايا التاريخية في بغداد ودمشق وحلب وغيرها من البلاد العربية والإسلامية.
عرف السودان التكايا منذ قرون خلت، إذ ينسب أقدمها إلى الملك “بادي أبو دقن” ، أحد ملوك مملكة سنار الإسلامية، في عام 1643م وفي العهد التركي المصري في السودان أولت الدولة، في فترة الواليين “إسماعيل باشا” و”سعيد باشا”، إهتماما خاصاََ بدعم تأسيس التكايا بهدف المساهمة في نشر التعليم الديني.
وتألفت التكية وقتها من حجرة للصلاة وباحة واسعة مكشوفة تحيط بها حجرات (الحيران) وأروقة ومرافق للقراءة والاستحمام وتناول الطعام.
في العصر الحديث، انتشرت العديد من التكايا في السودان، ومن أشهرها تكية الإمام عبد الرحمن المهدي، زعيم الأنصار، في أمدرمان وتكية السيد علي الميرغني، زعيم الطريقة الختمية في الخرطوم بحري.
للتكايا المنتشرة في السودان والدول العربية دور حيوي في توفير الدعم والرعاية الاجتماعية للفقراء والمحتاجين وعابري السبيل وتعمل على تحسين حياة الناس وتوفير الدعم للفئات الأكثر إحتياجاََ في المجتمع ونشر قيم التكافل.
الحرب الدائرة الآن في السودان منذ 15 أبريل سنة 2023م والتي بسببها نزح قرابة (12 مليون سوداني) إلى ولايات السودان الآمنة أو إلى خارج السودان، بسبب هذا النزوح، أنشئت عديد من التكايا لتقديم الطعام والكساء والمأوى للمتضررين، الذين فقدوا بيوتهم التي أحتلتها مليشيا الدعم السريع المتمردة وفقدوا ممتلكاتهم وأموالهم التي نهبت، أنشئت التكايا خاصة في مدينة أمدرمان التي نزح إليها عدد كبير من السودانيين جراء القتال العنيف الذي جرى في الخرطوم وولاية الجزيرة، هذي التكايا قامت بمبادرات خيّرة من أفراد وبعض المنظمات المحلية، بعون من المغتربين السودانيين في الخارج والمحسنين في الداخل، بجانب دعومات حكومية مقدرة ومن جيش السودان.
إن الأدوار العظيمة التي قامت بها التكايا في السودان إبان الحرب، يجب أن يحتفى بها وأن يفاخر أهل السودان بها العالم أجمع، كونها ترجمت المعاني النبيلة من إيثار وتكافل وكرم وإغاثة ملهوف، ترجمتها إلى واقع معاش وملموس وبسببها لم يشاهد العالم أهل السودان وهم يتكففون المنظمات الدولية للإغاثة ولم يشاهدوهم في مخيمات النزوح واللجوء، لقد قام الجهد الشعبي بما عجزت عنه الحكومات والمنظمات الدولية، هذا يدل أن بذرة الخير في أهل السودان باقية،رغم تقلبات الزمان وقد تمثلت فيهم مقولة الإمام علي بن أبي طالب(كرم الله وجهه) : “لا تطلب الخير من بطونٍ جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باقٍ ، بل اطلب الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق” .