الراي

مرام البشير تكتب : الفيتو الروسي حلقة من حلقات الصراع الدولي

لم يكن إستخدام الفيتو الروسي في مجلس الأمن الدولي في جلسته الأخيرة مستغرباً أو جديداً ، فروسيا تعد من أكثر الأعضاء الخمسة الدائمين استخداماً لحق الفيتو ، أستخدمته مراراً لصالح الحكومة السورية فخلال عامي ٢٠١٦م و ٢٠١٧م فقط إستخدمت روسيا الفيتو سبع مرات ضد مشاريع قرارات حول الأزمة السورية لدعم الحكومة صوتت الصين إلى جانب روسيا في مرتين منها، وإستخدمته أيضا في أغسطس ٢٠٢٣م للإعتراض على مسودة قرار فرنسي إماراتي لتمديد العقوبات على مالي فكان ذلك الإعتراض سبباً في إنهاء العقوبات التى فُرضت على مالي بعد إنقلاب ٢٠٢١م ، كما إستخدمته مؤخراً في مارس ٢٠٢٤م لصالح كوريا الشمالية عندما إعترضت على قرار خاص بتجديد ولاية فريق الخبراء المعني بإعداد تقارير تتعلق بتطبيق العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية وكانت إشارة قوية جداً لتطور ملحوظ في العلاقات بين البلدين سنأتي على ذكرها لاحقاً.
إن إستخدام الفيتو في هذا التوقيت لصالح السودان ضد الدولة حاملة قلم السودان في المجلس آثار حالة من الجدل الواسع لاسيما بعد المشاورات المغلقة التي سبقت الجلسة وحالة العداء الدبلوماسي الشرس التي صاحبت الجلسة حيث نَفخت كل من بريطانيا وروسيا الهواء الساخن في وجه بعضهما على الرغم من أنها لم تكن المرة الأولى التي تستخدمه كما أسلفنا،
لذلك يتبادر للأذهان سؤالاً جوهرياً ما الذي يميز هذا الفيتو الروسي لصالح السودان ولماذا صاحبته حالة من الغبن البريطاني وما دلالات توقيته؟
للإجابة على السؤالين دعونا نبتعد عن السودان قليلاً لننظر في سياقات الصراع المتجدد بين المعسكرين الشرقي والغربي في العالم وخلفياته العسكرية والسياسية

أولا : إشتداد الصراع الروسي الأوكراني ،
وصل الصراع الروسي الأوكراني أَوجَه حيث صدرت مؤخراً تقارير من عدة صحف أمريكية مثل “نيويورك تايمز” و”رويترز” و”أكسيوس” تفيد بأن بايدن أعطى الضوء الأخضر لأوكرانيا لإستخدام صواريخ ATACMS الأمريكية لدعم القوات الأوكرانية في منطقة كورسك الروسية في إشارة واضحة لضرب العمق الروسي ، ويبدو أن هذا التسريب متعمد من إدارة بايدن التي تبرر هذه الخطوة بضرورة ردع كوريا الشمالية عن إرسال المزيد من القوات إلى روسيا ، وقد أشرت سابقاً الي أن العلاقة بين روسيا وكوريا الشمالية في أفضل حالاتها ،
لذلك تتخوف واشنطن من هذا التقارب الذي قد يعجل من الهزيمة الأوكرانية خاصة بعد تعرضها لضغوط شديدة في دونباس وتعرضها لضربة كبيرة ضد البنية التحتية للطاقة الأوكرانية.

وبغض النظر عن أسباب بايدن وراء هذا التسريب فإن بوتين كشف في سبتمبر المنصرم عن العقيدة النووية الجديدة لروسيا والتي تتضمن إعتبار العدوان من دولة غير نووية بمساعدة دولة نووية هجومًا مشتركًا على روسيا
هذا يعني أن واشنطن ستُعتبر شريكًا في الهجمات الأوكرانية مما يعني أن الحرب العالمية الثالثة على الأبواب ،

لذلك نجد أن هناك حالة من العداء المشتد بين المعسكرين في أضابير الأمم المتحدة ومجلسها الأمنى، خاصة وأن وزير خارجية بريطانيا الذي كُلف مخصوص بتقديم مسودة المشروع لأهميته كما ذكر تمسك بهذه الدفوعات وذكرها في رده على الفيتو الروسي وربطه مباشرة بما يحدث في أوكرانيا لدرجة أن فقد أعصابه وأساء للرئيس بوتين بكلمات ثقيلة مما يعني أن هذا الفيتو الروسي آثار حالة من التراكمات العدائية بين المعسكرين.

ثانيا : فشل بريطانيا وأمريكا في الوصول لتسوية سياسية في الشرق الأوسط تضمن عن طريقها تحقيق أهداف الكيان الصهيوني في حربه ضد قطاع غزة ولبنان أو على الأقل الخروج بتطبيع سعودي إسرائيلي ينهي الحرب ويؤسس لسلام مزيف ،

في المقابل نجد حالة من التمترس السعودي المصري وراء حل الدولتين وعدم الإذعان لحملات الإبتزاز الذي تمارسه واشنطن “خاصة بعد فوز ترامب” ودول خليجية أخرى متحالفة مع الكيان الصهيوني للضغط على السعودية من أجل صفقة التطبيع مقابل وقف الحرب في غزة ولبنان،
كل ذلك يرتبط بإيران الحليف الأكبر لروسيا في الشرق الأوسط والتي تتوسع علاقاتها مع محيطها الإقليمي يوماً بعد يوماً، حيث كان المخطط الصهيوني هو إنشاء تحالف صهيوني سني ضد إيران يعرف بإتفاقات أبراهام والتي سوقت لها دويلة الإمارات مما يجعل إيران منبوذة في الإقليم ولكن بفضل الدعم الروسي لإيران إنقلب السحر على الساحر وأصبحت إسرائيل وحلفائها هم المنبوذين ، وبدأ يتشكل حلف جديد تقوده السعودية ومصر ظهرت بوادره في القمة العربية الاسلامية الأخيرة في الرياض والتي حملت أكثر من رسالة إلى واشنطن وإسرائيل، تعبر جميعها ودون لبس عن غضب شديد من الممارسات الصهيونية المتمادية والمفرطة عسكرياً، بلغت حد الدعوة إلى تجميد عضوية إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة،
كذلك رفضت القمة دون مواربة ضرب إيران مع ضرورة إلزام إسرائيل بإحترام سيادة إيران وعدم مهاجمة أراضيها ، والرسالة الأهم هي التمسك بحل الدولتين والإعتراف بدولة فلسطين الذي عدّته القمة المدخل الرئيس لاستقرار الإقليم،
بجانب أن مناصرة بريطانيا للعدوان الإسرائيلي على غزة كان محور هجوم المبعوث الروسي على بريطانيا ومشروعها ، حيث جاء الفيتو الروسي في ظل كثافة من إستخدام الفيتو الأمريكي ، فعلي عكس موسكو فإن لندن وواشنطن لجأتا في الغالبية العظمى من الحالات لإستخدامه مؤخراً لصالح الكيان الصهيوني في حربه على قطاع غزة .
اخيراً الصراع الدولي والإقليمي له انعكاسات كبيرة على مايجري في أضابير مجلس الأمن ودائماً مايعكس حالة من العداء الخفي بين هذين المعسكرين ليأتي موقف كهذا المشروع البريطاني الذي وصفه كثيرين انه ليس ذو شأن عظيم على السودان في ظل تقدم القوات المسلحة وإنهيار المليشيا المتمردة ، ليكشف عن الوجه الحقيقي لهذا الصراع المستمر ويضيف سبباً آخر لتجدده واستمراره .

abubakr

محطات ذهبية موقع اخباري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى