الراي

تصحيح المسار: الأثر الاقتصادي للحروب و صون السلم و الامن الدوليين ) بمناسبة اليوم الدولي للسلام : د. لؤي عبد المنعم محمد

قبل الخوض في فرص تعزيز و نشر ثقافة السلام في عالم متغير يشهد نزاعات مسلحة و توترات سياسية و عقائدية و عرقية و صراعات فكرية في ظل تداخل ثقافي ازدادت وتيرته مع التطور التقني و سرعة نقل البيانات و انتشار منصات التواصل الاجتماعي، اود اولا ان اسلط الضوء على ما يشهده العالم من صعوبات و تحديات تحد من جهود نشر ثقافة السلام التي ترعاها الامم المتحدة و المنظمات الدولية غير الحكومية و الدول المانحة. و بالرجوع الى تقارير مراكز الدراسات ، فان عدد النزاعات المسلحة التي وقعت في عام 2023 لم يشهد العالم مثيل لها منذ الحرب العالمية الثانية، و بهذا الصدد رصد معهد اوسلوا لأبحاث السلام حوالي (59) صراع مسلح منها ( 28) في افريقيا بمقدار النصف تقريبا و( 17) في اسيا و( 10) في الشرق الاوسط و( 3) في اوروبا و نزاع واحد في الامريكتان، اشدها ضراوة من بين عشرة نزاعات تحت المراقبة الدولية الصراع في السودان بين الجيش الحكومي و مليشيا الدعم السريع المتمردة و المدعومة بمرتزقة من عدة دول، و الحرب الاوكرانية الروسية و العدوان الاسرائيلي على غزة، و قد نشرت مجموعة الازمات الدولية تقريرا مطولا في ذلك عام 2024 ادرجت فيه ايضا نزر الصدام بين ايران من جهة و الولايات المتحدة و حليفتها اسرائيل من جهة ثانية، و حرب الابادة العرقية لمسلمي الروهينجا في ميانمار و الحرب الاهلية الاثيوبية في اقليم التيغراي والتغييرات التي حدثت في انظمة الحكم في منطقة الساحل الافريقي ( النيجر و مالي و بوركينا فاسو) وازمة هايتي التي تعاني عنف العصابات، والصراع الأذربيجاني الارميني على اقليم ناغروني قره باغ، و التوترات بين الولايات المتحدة و الصين حول تايوان وفي بحر جنوب الصين. في الوقت الذي اخفقت فيه معظم الجهود الدبلوماسية لإنهاء الاقتتال في كافة ارجاء العالم.
و بالرجوع الى تقارير مؤشر السلام العالمي Global Pease Index الصادر عن معهد السلام والاقتصاد في أستراليا لعامي 2023 و2024 نجد ان مجموعة الدول المصنفة مرتفعة جدا في معايير الامن و الاستقرار و التعايش و المساهمة في نشر ثقافة السلام قد انخفضت من 14 الى 11 دولة، و الدول المرتفعة قليلا في المؤشر كذلك انخفضت من 50 الى 40 دولة، بينما ارتفع عدد الدول المصنفة متوسطة من 62 الى 64 دولة و كذلك ارتفعت الدول المصنفة منخفضة من 25 الى 29 دولة و المنخفضة جدا من 12 الى 17 دولة. و يستدل من ذلك ان العالم يشهد ازمة حقيقة آخذة في الاتساع تدريجيا اذا لم يتم حل الازمة من جذورها. و يتضح ذلك جليا من خلال نتائج أثر العنف و الصراع بكل اشكاله على النشاط الاقتصادي العالمي من حيث التكاليف المباشرة و غير المباشرة و الاثر المضاعف لها فيما لو تم توجيه الانفاق الى بدائل أكثر إنتاجية، و بهذا الصدد يعكس مؤشر السلام العالمي ارتفاع الأثر الاقتصادي العالمي للعنف إلى 19.1 تريليون دولار في عام 2023، وهو ما يمثل 13.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بزيادة قدرها 158 مليار دولار، بسبب تنامي خسائر الناتج المحلي الإجمالي نتيجة الصراع بنسبة 20٪، مما يزيد مخاطر سلاسل التوريد للحكومات والشركات بشكل كبير. و على صعيد آخر فان إجمالي الإنفاق على بناء السلام وحفظ السلام بلغ 49.6 مليار دولار، وهو ما يمثل أقل من 0.6% من إجمالي الإنفاق العسكري. في حين ان الإنفاق العسكري والأمن الداخلي أكثر من 74% من إجمالي الأثر الاقتصادي للعنف، بينما تُمثل النفقات العسكرية وحدها 44% من إجمالي الأثر، بما يُعادل 8.4 تريليون دولار. لذلك يمكن الجزم بان الحروب هي السبب الرئيسي للركود و الانكماش الاقتصادي الذي تشهده عدد كبير من دول العالم .
في تقديري الشخصي لمواجهة هذه الازمة المتفاقمة ينبغي العمل في عدة اتجاهات اولها اصلاح النظام العالمي عبر حوار بناء برعاية الامم المتحدة، ما دامت اثاره اكبر من آثار التغير المناخي الذي يجد اهتمام اممي كبير، و من الدول التي طالبت بذلك مبكرا تركيا ثم تبعتها دول مجموعة العشرين التي توافقت في ذكرى اليوم الدولي للسلام الموافق 21 سبتمبر الجاري على التعاون لإصلاح الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية والمؤسسات المقرضة متعدد الاطراف. هذا الى جانب دعم جهود حل النزاعات بالطرق السلمية و منابر الحوار البنّاء بين الحضارات، والتقارب بين الاديان و التعريف بالثقافات و دعم التحول الديموقراطي دون التغول على السيادة الوطنية للدول او تسيييس المساعدات الانسانية. و من المهم جدا التأكيد على مبدا عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لان التدخل السالب يزيد من 98حالة الاستقطاب الدولي و يطيل أمد الصراعات، و مثال على ذلك الصراع الذي تطاول امده في السودان بسبب التدخلات الخارجية و هو الامر الذي اثر جهة ادراجه في المرتبة قبل الاخيرة في مؤشر السلام العالمي لعام 2024. فضلا عن تفعيل جهود الحد من اسلحة الدمار الشامل و الاسلحة البيولوجية و السامة التي تسببت في قتل مئات الالاف منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، و التراجع عن سياسة الحصار الاقتصادي الذي تعاني منه الشعوب وحدها دون النخب الحاكمة. و تشجيع التجارة الالكترونية للسلع و الخدمات كوسيلة لزيادة الدخل الفردي و الحد من البطالة كونها لا تتطلب رأس مال كبير.
و على الصعيد القطري نبذ العنف و العصبية و الجهوية و تشجيع الحوار الداخلي و المصالحة الوطنية الشاملة و دعم مبادرات نشر ثقافة التسامح و تعزيز السلام المجتمعي و قبول الاخر. و رصد ميزانيات تدعم برامج الجامعات في التدريب العملي و التوعية و التأهيل اللازم للطلاب ليكونوا صناع و سفراء للسلام عقب التخرج، و كل جهود مكافحة الفقر مثل التمويل الاصغر و مشاريع الاسر المنتجة و الاقتصاد التشاركي، و التحذير من التطرف و العنف اي كان مصدره.
و هناك دول في الشرق الاوسط يمكن اعتبارها نماذج يحتذى بها في صناعة السلام على الاسس السليمة المشار اليها آنفا، في مقدمتها دولة قطر و المملكة العربية السعودية و جمهورية مصر و تركيا . و كمثال على هذه التوجه المحمود مبادرة الدوحة لقيادة عملية السلام في إقليم دارفور بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي والجامعة العربية، وهي المبادرة التي أثمرت وثيقة (سلام الدوحة) عام 2011 وما ترتب عليها من مؤتمر إعمار دارفور الذي خرج بتعهدات وصلت 3.7 مليار دولار لإعادة إعمار الإقليم. و قد اهل دولة قطر لهذا الدور المشرف المكانة المتقدمة التي تبوأتها في مقدمة الدول العربية من حيث الامن و السلام في مؤشر السلام العالمي لعدة سنوات و هذا مثال واحد من عدة امثلة كي لا اطيل عليكم.
كما توجد فعاليات ذات صلة باليوم الدولي للسلام ترعاها منظمة الامم المتحدة، و عبر احيائها سنويا والاحتفاء بها تتعزز كذلك قيم السلام مثل :-
اليوم العالمي للضمير
اليوم الدولي للرياضة من أجل التنمية والسلام
اليوم الدولي لتعددية الأطراف والدبلوماسية من أجل السلام
اليوم الدولي للعيش معا في سلام
اليوم الدولي لحفظة السلام
اليوم العالمي للا عنف
اليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية
اليوم العالمي للحياد.
و اخيرا اود ان اقول كما ان الاوطان تسع جميع ابنائها فان العالم الحر كذلك ينبغي ان يسع كل الدول وفق مبدأ الشراكة العادلة بدون عزلة او وصاية سياسية او هيمنة اقتصادية او احتكاراو ازدواجية في المعايير اذا اردنا ان نجذر ثقافة السلام و ننهي الازمة من جذورها.

abubakr

محطات ذهبية موقع اخباري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى