المقالات و الاعمدة

أمواج ناعمة : ياسر محجوب الحسين : طاولة جنيف.. غسيل الدم

بدون صاحب الحق الأصيل، وهو الشعب السوداني، وحكومته التي تمثله، وجيشه الذي يصد عنه اعتداء المعتدين، وجرائم المجرمين؛ انطلقت الأسبوع الماضي ما عرف بمفاوضات جنيف برعاية أمريكية رئيسية. وأخفي مكان التفاوض على غير العادة ربما تجنباً لمواجهة تظاهرات السودانيين في سويسرا المناهضة لأي تسوية يتم من خلالها التجاوز عن جرائم مليشيا الدعم الدعم السريع، بل وإعطائها مشروعية أخلاقية مفقودة، ومكاسب سياسية على جماجم ضحاياها التي مارست نحوهم أسوأ أنواع الإبادة الجماعية التي حدثت في العالم خلال العقود الماضية.
لقد رفضت الحكومة السودانية المشاركة لأن الوساطة الأمريكية لم تستجب للحد الأدنى من شروطها، وهي أبسط متطلبات إقامة سلام عادل يمنع إعادة إنتاج الأزمة من خلال احتفاظ المليشيا بقواتها المتبقية، وكذلك علاقاتها المشبوهة بدول خارجية ربطها بها حبل سري من الدعم العسكري الآثم. فلم تلتزم واشنطن بإلزام المليشيا بتنفيذ ما التزمت به عبر منبر جدة في مايو من العام الماضي وهو الخروج من بيوت المواطنين، والمستشفيات والمؤسسات الحكومية المدنية. كما أصرت واشنطن على إشراك دول، ومنظمات إقليمية متورطة بالأدلة الدامغة في دعم المليشيا، واستمرار حربها على المواطنين السودانيين، فضلا عن ذلك أصرت واشنطن على أن يأتي الوفد السوداني ممثلا للجيش، وليس الدولة السودانية، وفي ذلك محاولة لئيمة لجعل الجيش السوداني طرفا موازيا لمليشيا تمردت عليه. كما أن حربها اليوم ليست موجهة نحو الجيش فحسب بل أكثر من ذلك موجهة نحو المواطنين العزل، فليس من جيش في العالم يقبل مساواته بفصيل تمرد عليه بإيعاز خارجي.
المشكلة الكبرى أن هناك عدم ثقة في الوسيط الأمريكي الذي يقدم أجندته في السودان التي تتعارض مع أمنه القومي، واستقراره، حتى أن رغبات واشنطن تتعارض مع مقتضيات العدالة الدولية، وحقوق الإنسان. ولذلك بدت مفاوضات جنيف منتدى لفرض الإرادة الخارجية، وسَطلاً تُغسل فيه أيادي المتورطين من دماء الأبرياء في السودان؛ فهل تقبل الحكومة السودانية، وجيشها تلكم القسمة الضيزى؟ ولو قبلت فلن يقبلها الشعب السوداني. بيد أن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان كان قد قطع الشك باليقين عشية تلك المفاوضات، أو حوار الطرشان بقوله: «لا سلام والميليشيات المتمردة تحتل البيوت، والمدن، والقرى، وتحاصرها، وتقطع الطرق». وجدد البرهان في خطابه بمناسبة عيد الجيش الـ70 الثلاثاء الماضي التأكيد بأن طريق السلام، أو وقف الحرب واضح وهو «تطبيق ما اتفقنا عليه في جدة خلال مايو من العام الماضي».
المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيريللو قال في مؤتمر صحفي في جنيف الأسبوع الماضي بلهجة تستبطن تهديداً لا يخفى: «لن نتمكن من عقد محادثات، وساطة مباشرة مع الأطراف إذا لم تكن الأطراف موجودة، وحتى في غياب طرف واحد. لذا إذا استمر الوضع على حاله ولم تلتزم القوات المسلحة السودانية بالمشاركة فسوف نركز على الخارطة الدولية والإقليمية، لوقف العنف، ووصول المساعدات الإنسانية». فالرجل يلوح ربما بإجراءات في مجلس الأمن، لكن يبقى هذا التهديد فقاعة هواء، إذ يعلم الناس أن مجلس الأمن الدولي غدا مشلولاً غداة اندلاع الحرب في أوكرانيا، ولم يستطع إنجاز، أو تمرير قرارات قد تخدم أجندة كل من القوتين العظميين المتحاربتين في أوكرانيا، وهما الولايات المتحدة، وروسيا فكلاهما يستخدم حق الفيتو لإبطال أي قرارات يقف من خلفها الخصم الآخر. وعلق الموظف السابق في البيت الأبيض والمختص في شؤون القرن الأفريقي كاميرون هدسون بقوله: “إن الولايات المتحدة حاولت خلق الوهم بوجود لحظة من الزخم لإجبار الجيش السوداني على التعاون، لكنه فهم أنها خدعة إذ يعلم أن المجتمع الدولي منقسم». أما شماعة المساعدات الإنسانية فهي حجة مكشوفة للتغطية بها على النوايا الحقيقية، وهي إدخال العتاد العسكري لصالح المليشيا ضمن هذه المساعدات عبر فتح المعابر الحدودية مع الدول المجاورة التي تدعمها. ولو كانت النوايا صادقة في تقديم المساعدات لما كانت معسكرات اللاجئين السودانيين في تشاد، وإثيوبيا تنعدم فيه أبسط متطلبات العيش، فالأطفال يموتون جوعاً هناك، وهي معسكرات بالطبع خارج نطاق العمليات العسكرية.
إن أكبر عيب للوساطة الأمريكية غير نهج الصلف الذي تتعامل به مع الدولة السودانية؛ أنها تتجاهل حقيقة أن مليشيا الدعم السريع متهمة بارتكاب العديد من الجرائم، والانتهاكات الخطيرة مثل: القتل العمد للمدنيين، والعنف الجنسي حيث تم توثيق حالات اغتصاب واسعة النطاق ضد النساء، والفتيات، وتجنيد الأطفال قسريًا واستخدامهم وقودا في الحرب. هذا فضلاً عن الهجمات المتعمدة التي طالت البنية التحتية المدنية، وتدمير المستشفيات، والمدارس، ونهب ممتلكات المواطنين، واحتلال منازلهم، ومزارعهم. كل ذلك أدى إلى لجوء، ونزوح ملايين السودانيين، وأسرههم من مناطقهم داخل وخارج البلاد. فكل هذه الجرائم، والانتهاكات أثارت إدانات واسعة من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان، لكنها لم تحرك شعرة في الإدارة الأمريكية.
https://shorturl.at/zw9wv

abubakr

محطات ذهبية موقع اخباري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى