تصحيح المسار: ازمة الجنجويد و حواضنهم السياسية و الاجتماعية : د. لؤي عبد المنعم
المشهد السوداني الذي ظل محتدما لعقود منذ الاستقلال، و وصل ذروة اصطراعه على السلطة حد التدمير الشامل و تهجير اكثر من نصف الشعب و تراجع الاقتصاد بشكل خطير و غير مسبوق، بات يقترب من عودة الامن و الاستقرار، و لكنها ليست عودة فورية و لا نمطية و لا للماضي، و انما رغبة اكيدة و اجماع على تجديد و تصحيح الكثير من المفاهيم التي قادت للحرب و الانهيار.. و قبل ان افصل في ماهية التغيير القادم اود اولا ان ابدا من زيارة الوفد القطري الرفيع للسودان و تاكيده دعم السودان حكومة و شعبا في محنته، و اتصال رئيس دولة الامارات برئيس مجلس السيادة الذي فسر بأنه اعتذار من الامارات على تمويلها و دعمها التمرد بالسلاح و رغبتها في فتح صفحة جديدة بناء على تفاهمات تضمن مصالح البلدين و كيفية جبر الضرر الواقع على المواطنين و اعادة البناء، و قبلها زيارة نائب وزير الخارجية الروسي و زيارة نائب رئيس مجلس السيادة بالمقابل الى روسيا بشان تنفيذ الاتفاق العسكري المبرم بين البلدين، بما يعني ذلك من وصول الامدادات العسكرية المطلوبة للسودان و مساهمتها في حسم المعارك الجارية و التي وصلت خواتيمها، و التي تقرأ كذلك مع الاستقبال الحافل لرئيس مجلس السيادة في كل من تركيا و مصر، وزيارة الرئيس الاثيوبي مؤخرا و استقباله بود و ترحاب كبير من رئيس مجلس السيادة، و في ذلك تاكيد على انكفاء اثيوبيا مؤقتا على ذاتها و انشغالها بمعالجة قضاياها الداخلية بعيدا عن مساندة المليشيا المتمرة في السودان، و الموقف الجزائري الداعم بقوة للشعب السوداني و حكومته في مجلس الامن، و المواقف الراسخة للقيادة الصينية و اعلانها المشترك مع القيادة الروسية بشأن دعم الشعب السوداني في محنته و وقوفها الثابت الى جانب الحكومة السودانية..و التضامن الكبير مع الشعب السوداني و جيشه في فضاء التواصل الاجتماعي على الصعيد العالمي.. كل تلك المواقف المتجددة و التغيرات الطارئة تؤكد ان المليشيا تعيش ازمة كبيرة، و هي ليست وحدها في ذلك فمشروعها للسيطرة مرتبط بشكل كبير بشركائها السياسيين في تنسيقية القوى المدنية (تقدم) الذين ساندوها في الانقلاب تخطيطا و تنفيذا و تنسيقا مع الراعي الاماراتي ، و كذلك الحاضنة الاجتماعية التي بدات في اعلان موقف جديد تتنصل فيه من المليشيا، و قد منحت مؤخرا تنسيقية الرزيقات مساحة في التلفزيون الرسمي للتعبير عن رفضها للعنف و تبرأها من جرائم المليشيا.. واضح ان الحرب التي هي في الاساس تنفيذ لاجندة خارجية لتقسيم السودان بدات بفصل الجنوب و ظنت الدول التي تقف ورائها ان الظروف مواتية لتنفيذ بقية المخطط، قد وصلت نقطة التعادل و هي النقطة التي ينحسر فيها الموج بعد فشل المخطط الذي تجاوز العام في تحقيق اغراضه، و ما يؤكد ذلك مطالبة لجنتا الخارجية في مجلسي النواب والشيوخ الامريكي للرئيس بايدن بتصنيف مليشيا الدعم السريع وقائدها الحالي عبد الرحيم دقلوا ضمن مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان.. و في ذلك اشارة واضحة ان الطرفين المتنافسين في الانتخابات الامريكية يحرص كل منهم على استقطاب اصوات المسلمين و الامريكان من اصول افريقية و لاتينية الرافضين للسياسة الخارجية للولايات المتحدة عموما، و التي اسفرت عن حروب اهلية في اليمن و ليبيا و سوريا و السودان و اجتياح غزة و وأد للنظام الديموقراطي في تونس، فضلا عن طلاب الجامعات الذين سبق ان اضربوا و عبروا عن احتجاجهم لاستمرار الحرب و قصف المدنيين في فلسطين و احتلال بيوتهم و نهبهم في السودان.. في خضم كل تلك التحولات و الضغوط التي مورست بدءا على الحكومة السودانية و فشلت في اخضاعها للاجندة الخارجية، لم يعد الاستمرار في دعم المليشيا و السكوت عن جرائمها و انتهاكاتها خيار مقبول و مبرر.. المليشيا ذاتها التي قتل معظم قياداتها و اعترف بعض منسوبيها بمقتل قائدها حميدتي باتت تقاتل فقط لاجل البقاء على قيد الحياة و ليس لاجل الوصول للسلطة، فلا مكان اخر يقبلهم يهربون اليه، فهم قتلة و ارهابيون في نظر العالم و مطلوبين دوليا و افريقيا لجرائمهم الموثقة، اما تنسيقية تقدم فاصبحت هي الاخرى تبحث عن مخرج في مصالحة وطنية لا تقصي اي طرف، و حديثهم عن تمسكهم بعدم الجلوس مع المؤتمر الوطني مجرد ورقة توت يدارون بها سوآتهم، فلا هم يملكون القدرة على فرض رؤيتهم و لا يوجد من يرغب في عودتهم لممارساتهم السابقة، بعد ان ذاق الشعب لظى كيدهم و تربصهم بالجيش و حصارهم السودان في حقبة سابقة لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم، فضلا عن دعمهم المليشيا المهزومة التي ابيدت معظم قواتها..التغيير الذي يلوح في الافق يتمحور حول ثلاث لاءات هي:-*
*1-لا عودة للمليشيات بعد الحرب.*
*2-لا تنازل عن نظام الحكم المدني.*
*3-لا اقصاء لاي طرف.*
*و ترجمة تلك اللاءات الى واقع يستوجب تحقيق ثلاثة شروط هي:-*
*1-احترام السيادة الوطنية و عدم التدخل في الشأن الداخلي للسودان.*
*2-نجاح الحوار السوداني السوداني في تاكيد الحريات و المشاركة الواسعة في اعادة البناء و تكوين حكومة كفاءات مستقلة خلال الفترة الانتقالية تحت رعاية الجيش كمؤسسة قومية مهنية تقف على مسافة واحدة من الجميع.*
*3- ضمان عدم الافلات من العقاب لكل من اجرم بحق الشعب و افسد و سعى في تفكيك الجيش خدمة لاجندة خارجية.*
*هذا التغيير الذي بات يحظى بتوافق شعبي كبير و استحسان خارجي هو بلا شك يشكل ازمة كبيرة للتمرد و حواضنه السياسية و الاجتماعية، اذا لم تتقبله كما هو و تستسلم للامر الواقع فليس من الحكمة الوقوف بوجه العاصفة في ذروتها، و يبدوا ان هذه العاصفة ليست كسابقاتها، و لا تضاهيا ثورة شهدها السودان في تداعياتها التي هي اقرب لمرحلة التأسيس من جديد، بقواعد جديدة لا مجال فيها للخروقات و الاختراقات و الاستقواء بالخارج.*