المقالات و الاعمدة

أمواج ناعمة :د. ياسر محجوب الحسين : عودة ترامب تقلق بكين وتسعد موسكو

مضت اليوم زهاء 35 عاماً على رهان الولايات المتحدة الأمريكية بانهيار النظام الصيني، غير أن الصين اليوم تمثل أكبر منافس بل ومهدد للنظام الاقتصادي والعسكري الذي تقوم عليه الولايات المتحدة أكبر دولة في العالم. قال الأكاديمي الأمريكي فرانسيس فوكوياما أهم مفكري المحافظين الجدد، في كتابه الشهير (نهاية التاريخ والرجل الأخير) الذي صدر في 1992: إن النظام الصيني سينهار بسبب فقدان قنوات الاتصال بين قمة الهرم السياسي والقاعدة الجماهيرية. ومع تصاعد احتمالات فوز المرشح للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية القادمة، فإن بكين قلقة من «العداء» الذي ظل يظهره ترامب لها دون مواربة، وقد يصل للحد الذي قد تتغير معه المعادلات السياسية والعسكرية التي تحكم العالم اليوم لاسيما في الحرب الدائرة اليوم على أرض أوكرانيا ما بين المجتمع الغربي (الولايات المتحدة وأوروبا) من جهة وروسيا من جهة أخرى. الأمر الذي مثّل إشغالا لواشنطن عن مراقبة ومتابعة الانطلاقة الصينية في كل المجالات الإستراتيجية.
وتعهد ترامب في حملاته الانتخابية الحالية بوقف الحرب الأوكرانية في 24 ساعة فقط. وهو ما يعني أنه سيسحب الدعم المالي والعسكري من أوكرانيا. وقد ظل ترامب ينظر للصين في ولايته الأولى على أنها المهدد الأكبر لمكانة «القوة العظمى» التي تحتلها بلاده منذ الحرب العالمية الثانية، وعليه فإن من المتوقع سعيه بكل قوة لعرقلة التقدم الصيني خلال فترة رئاسته الثانية المحتملة. وسبق أن وصفت بكين الحرب التجارية في ظل ولاية ترامب لأولى (2017 – 2021) بأنها «أكبر حرب تجارية في تاريخ الاقتصاد العالمي».
وتتخوف الصين من احتمال حدوث تقارب بين واشنطن وموسكو خلال فترة رئاسة ترامب المحتملة. فالحرب القائمة الآن في أوكرانيا بمعادلاتها السياسية والاقتصادية ارتدت سلبا على السياسات الاقتصادية والخارجية على التحالف الغربي في عمومه، خاصة على أوروبا وتايوان ودول جنوب شرقي آسيا التي تعتمد على الولايات المتحدة في حمايتها العسكرية وتربطها علاقات قوية بالاقتصاد الأمريكي وتجارته الخارجية، وهذا ظل يصب في صالح الصين وسياساتها الاقتصادية وخططها الاستراتيجية. ولذلك تتوجس الصين من فوز ترامب الذي ستشهد ولايته موقفًا أمريكيًا أكثر صرامة بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية مع الصين، مما يؤدي إلى دق أسفين بين الاقتصادين. واليوم يلوح ترامب في حملاته الانتخابية بطرح تعريفات جمركية بنسبة ضخمة تصل إلى 60 % أو أعلى على جميع البضائع الصينية، ورسوم جمركية شاملة بنسبة 10 % على البضائع من جميع دول المنشأ. وباختصار فإن سياسات ترامب المرتقبة ستؤدي إلى تفكيك التحالف الغربي الذي تقوده واشنطن في أوكرانيا. بيد أن هناك من يرى أن الصين يمكنها الاستثمار في هذا المتغير بتقوية اقتصادها تجارياً وتدويل عملتها اليوان عبر تعزيز نفوذ مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي. وما يصب في المصلحة النسبية لبكين أن ترامب ينظر لأهمية تايوان باعتبارها مكانا لصناعة الرقائق الإلكترونية المتقدمة، وفي حال فوزه قد يعمد إلى تحويل شركات صناعة الرقائق من تايوان إلى الولايات المتحدة وترك الجزيرة خالية من صناعة الرقائق الذكية لبكين. ويقول ترامب إن تايوان يجب أن تدفع للولايات المتحدة مقابل الدفاع لأنها «لا تعطينا أي شيء». وعليه فإن تلك الخطط تعمل على تمكين بكين من تنفيذ سياسة «الصين الواحدة» التي تعني ضم هونغ كونغ وتايوان إلى الصين. هل تنتبه أوروبا التي شهدت إهمالا أمريكيا في عهد ترامب الأول، وتفكر في مصالحها الإستراتيجية بمعزل عن الولايات المتحدة وتمد جسور التعاون الإستراتيجي مع الصين؟. قبل نحو عقد ونيف من الزمان كانت أوروبا قد نحت منحى إيجابياً تجاه الصين، التي دخلت أفضل فترة للاستثمار في الأسواق الأوروبية، خاصة وأن أوروبا تتميز بأنها أكثر انفتاحا مقارنة بأمريكا. إن الصين دولة مركزية قوية تاريخيا استطاعت أن تقود نموا اقتصاديا مستمرا، ويعود لها الفضل بأداء رائع في السنوات الخمسين الماضية، رغم الانتقادات الغربية لها بغياب آليات المحاسبة تجعل البلاد معرضة لما يسمونه بـ «مشكلة الامبراطور السيئ». إن للصين مسيرة تاريخية حافلة وجهودا معاصرة مضنية شكلت الصين كقوة اقتصادية وسياسية، دولية مؤثرة. فقد كان هناك معدل نمو قياسي فاق كل المعدلات المعهودة عالميا، وتحولت البلاد إلى عملاق يقف على حافة تغيير موازين القوى التي تشكلت وبرزت عقب الحرب العالمية الثانية

abubakr

محطات ذهبية موقع اخباري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى